الشراكة التنموية والتحولات الجيوسياسية: تأثير البنك الآسيوي على النفوذ الأمريكي في مصر

يُعد البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) بنكًا تنمويًا دوليًا متعدد الأطراف، تأسس بمبادرة من الصين بهدف دعم وتمويل مشاريع البنية التحتية في قارة آسيا والمناطق المجاورة لها. بدأ البنك عملياته رسميًا في يناير 2016، ويتخذ من العاصمة الصينية بكين مقرًا رئيسيًا له. يهدف البنك إلى تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة وخلق الثروة، بالإضافة إلى تحسين ربط البنى التحتية في آسيا وخارجها.

طُرحت فكرة إنشاء البنك في عام 2013، وتأسس رسميًا في أكتوبر 2014، حيث وقعت 21 دولة على مذكرة التفاهم الخاصة بإنشائه في بكين. يهدف البنك إلى معالجة فجوة تمويل البنية التحتية الكبيرة في آسيا، والتي تقدر بمليارات الدولارات سنويًا، من خلال توفير التمويل لمشاريع متنوعة تشمل الطرق، والسكك الحديدية، والمطارات، ومشاريع الطاقة، والاتصالات، والبنية التحتية الحضرية، وغيرها. يسعى البنك أيضًا إلى تعزيز التعاون الإقليمي والشراكات لمواجهة التحديات التنموية، والعمل بشكل وثيق مع المؤسسات المالية الدولية الأخرى مثل البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي، حيث يُعتبر مكملًا لهذه المؤسسات وليس منافسًا مباشرًا بالضرورة.

بدأ البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بعضوية 57 دولة مؤسسة. وقد شهد البنك توسعًا كبيرًا في عضويته منذ تأسيسه، حيث وصل عدد الأعضاء المعتمدين إلى 110 أعضاء في عام 2024. تضم العضوية دولًا من داخل قارة آسيا وخارجها، بما في ذلك العديد من الدول الأوروبية الكبرى مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى دول من الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. تمثل الدول الأعضاء في البنك حوالي 81% من سكان العالم و 65% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (حسب أرقام عام 2023).

البنك الآسيوي للاستثمار في مشاريع مصر الكبرى

قام البنك بتمويل العديد من المشاريع في دول مختلفة، بما في ذلك مصر، تركيا، الهند، باكستان، وغيرها. تشمل المشاريع الممولة محطات طاقة، مشاريع تحسين المدن، إدارة الفيضانات، مشاريع مترو الأنفاق، وتطوير البنية التحتية للطاقة. كما يقدم البنك الدعم المالي المباشر للموازنات الحكومية في بعض الحالات.

تعد مصر من الأعضاء المؤسسين للبنك، حيث انضمت رسميًا في عام 2016 بعد التصديق على اتفاقية الانضمام. وتعتبر مصر أكبر مساهم في البنك من القارة الإفريقية، بحصة تمويلية تبلغ 650 مليون دولار، فيما وصل حجم محفظة التعاون الإنمائي بين مصر والبنك إلى حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي (حسب أرقام 2023)، كما أن هناك طموحات وتصريحات عن سعي مصر لزيادة حجم محفظة التعاون بشكل كبير.

مول البنك العديد من المشروعات الحيوية في مصر، مثل تمويل شركات القطاع الخاص في مجمع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان بقيمة تصل إلى 210 مليون دولار، وتمويل مشروع تحسين خدمات الصرف الصحي في المناطق الريفية بقيمة 300 مليون دولار.

وفي مشاريع النقل الكبرى، ساهم البنك في تمويل مشروع مترو أبو قير بالإسكندرية بقيمة 250 مليون يورو، ومشروع تطوير ميناء دمياط (محطة الحاويات الثانية)، ودعم تحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي.

كما وافق البنك على تقديم تمويلات لدعم الموازنة العامة للدولة وسياسات التنمية، خاصة لمواجهة التحديات الاقتصادية ودعم الإصلاحات الهيكلية. على سبيل المثال، تمويل بقيمة 360 مليون دولار في 2021 للتعافي من آثار جائحة كورونا. وقدم البنك خطوط ائتمان للبنوك المحلية مثل البنك الأهلي المصري لإعادة إقراضها للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تمويل مباشر لشركات القطاع الخاص.

بهذه المساهمات، يعتبر البنك شريكًا تنمويًا هامًا لمصر لتلبية احتياجاتها الضخمة في تمويل مشاريع البنية التحتية، في الوقت الذي يُنظر إلى البنك بإيجابية لتركيزه على تمويل البنية التحتية دون فرض شروط سياسية صارمة قد تصاحب تمويلات مؤسسات أخرى.

تستخدم مصر عضويتها ودورها في البنك لتعزيز مكانتها، الذي جعلها تستضيف الاجتماعات السنوية الثامنة لمجلس محافظي البنك الآسيوي في سبتمبر 2023، في شرم الشيخ، وهي المرة الأولى التي تعقد فيها هذه الاجتماعات في قارة أفريقيا.

مصر بين بكين وواشنطن

تقليديًا، اعتمدت مصر بشكل كبير على المؤسسات المالية التي تقودها الولايات المتحدة والغرب (مثل البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID) للحصول على تمويلات تنموية ودعم للميزانية. غالبًا ما تأتي هذه التمويلات مصحوبة بشروط تتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تتماشى مع الرؤية الأمريكية أو الغربية.

يوفر البنك الآسيوي مصدر تمويل بديل، قد يكون بشروط أقل أو مختلفة، خاصة فيما يتعلق بالجوانب السياسية الداخلية. هذا يقلل من نفوذ الولايات المتحدة والدول الغربية الذي يمكن ممارسته عبر ورقة التمويل.

في نفس السياق، كلما زاد حجم استثمارات البنك الآسيوي في مصر، زادت الروابط الاقتصادية والسياسية بين مصر والصين، مما قد يؤدي إلى تحول تدريجي في التوجهات الاستراتيجية لمصر بعيدًا عن الاعتماد الحصري على الشراكة مع الولايات المتحدة. هذا يتناسب مع أهداف مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويعني ذلك وجود ميزة تفضيلية للشركات الصينية لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى التي يمولها البنك الآسيوي، ما يقلل الفرص المتاحة للشركات الأمريكية.

نجاح البنك الآسيوي وجاذبيته لدول مهمة مثل مصر، التي تعتبر حليفًا تقليديًا للولايات المتحدة يقوض بشكل غير مباشر مركزية المؤسسات المالية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تتمتع فيها الولايات المتحدة بنفوذ كبير.

لهذا السبب، كانت هناك مخاوف أولية عبرت عنها الولايات المتحدة من أن البنك الآسيوي قد لا يلتزم بنفس المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الصارمة التي تفرضها مؤسسات مثل البنك الدولي، إلا أن هذا لا يعني قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، فمصر لا تزال تتلقى مساعدات عسكرية واقتصادية كبيرة من الولايات المتحدة، وتعتبرها شريكًا استراتيجيًا هامًا.

إن تفاعل مصر النشط مع البنك الآسيوي هو جزء من تحول أوسع في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي، إذ إنه يمنح مصر خيارات إضافية، يعزز نفوذ الصين، ويشكل تحديًا غير مباشر للنفوذ والمصالح التقليدية للولايات المتحدة في مصر من خلال تقليل الاعتمادية على واشنطن ومؤسساتها المالية، وإتاحة بديل قد يكون أقل تقييدًا بشروط سياسية.

المصادر:

اترك تعليقاً إلغاء الرد

Related News

اشتباكات كشمير: حقيقة إسقاط مقاتلات رافال وتقييم صفقة الرافال المصرية

بعد تصريحات ترامب:ماذا نعرف عن الامتيازات الأمريكية في قناة السويس؟