الضرائب الصفرية: حين تُباع أصول مصر دون مقابل

في خطوة مثيرة للجدل، صدّق مجلس النواب المصري قبل أيام على اتفاقية جديدة مع دولة الإمارات تُعفي بموجبها شركتين من أكبر الكيانات الاستثمارية من الضرائب بشكل كامل، في وقت يئن فيه المواطن تحت وطأة موجات الغلاء المتتالية والضرائب المتزايدة.

الاتفاقية، التي أُقرّت في جلسة البرلمان بتاريخ 15 يونيو الجاري، تمنح “شركة أبوظبي التنموية القابضة” الإماراتية وصندوق مصر السيادي إعفاءً كاملاً من الضرائب على الأرباح والتوزيعات، عبر تعديل تعريف “الجهات الحكومية” ليشمل كيانات استثمارية، وهو ما يفتح الباب أمام امتيازات واسعة لا يحظى بها المستثمر المحلي ولا المواطن العادي.

ما بين جذب الاستثمارات والتفريط الناعم

يرى مراقبون أن هذه الخطوة تكرّس سياسة “ازدواجية المعايير”، وتعيد إلى الأذهان ملف “صفقة رأس الحكمة”، التي مكنت الشركة الإماراتية من الاستحواذ على نحو 170 مليون متر مربع من الساحل الشمالي مقابل 24 مليار دولار فقط، مع احتفاظ الحكومة المصرية بحصة أقلية من المشروع.

وبينما تُقدَّم مثل هذه الاتفاقيات كجزء من خطة “جذب الاستثمارات”، يعتبرها خبراء اقتصاد بمثابة “تفريط ناعم” في أصول الدولة لصالح مستثمر أجنبي يتمتع بحصانة ضريبية وتسهيلات خاصة، في ظل غياب شفافية حقيقية وتراجع دور البرلمان كجهة رقابية مستقلة.

وبحسب نصوص الاتفاق، تُعامل “أبوظبي القابضة” وصندوق مصر السيادي معاملة “الحكومة” في الإعفاءات الضريبية، ما يعني فعليًا نقل الأرباح خارج مصر دون أن تستفيد منها الخزانة العامة، في وقت تواصل فيه الدولة سياسة تقليص الدعم وزيادة الجباية من المواطنين.

في ظل تراجع الإيرادات الضريبية المتوقعة من هذه الكيانات، قد تضطر الحكومة إلى زيادة الاقتراض أو فرض المزيد من الضرائب على قطاعات أخرى أو تقليص الإنفاق على الخدمات الأساسية، مما يزيد الأعباء على المواطنين. كما أن شعور المستثمرين المحليين بالمنافسة غير العادلة قد يثنيهم عن التوسع في استثماراتهم أو يدفعهم للبحث عن فرص خارج البلاد.

وقد تنجح الحكومة فيما بعد في جذب بعض الاستثمارات الأجنبية، لكنها قد تكون استثمارات تبحث عن امتيازات خاصة بدلاً من بيئة استثمارية تنافسية وعادلة، مما قد يخلق تشوهات في السوق، بجانب أن تقديم تنازلات كبيرة لجذب استثمارات من دول معينة قد يزيد من النفوذ السياسي والاقتصادي لهذه الدول على حساب السيادة الوطنية في اتخاذ القرار.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه أتون الحرب بين إسرائيل وإيران، التي أدت إلى اضطراب الأسواق وارتفاع أسعار الطاقة وتعطيل سلاسل الإمداد، من شأنه أن يزيد من الضغوط الاقتصادية على دول المنطقة، بما في ذلك مصر. وبالتالي فإن التنازل عن إيرادات ضريبية من كيانات استثمارية كبيرة هي خطوة تزيد من الهشاشة الاقتصادية للدولة بدلاً من تعزيز قدرتها على مواجهة الصدمات.

ففي أوقات التوترات والحروب، عادة ما تتجه الدول لتعزيز مواردها المالية لمواجهة أي طارئ أو زيادة في الإنفاق الأمني أو لدعم القطاعات الحيوية المتأثرة. الإعفاءات الضريبية الواسعة تتعارض بشدة مع هذه الأولويات، وهو ما يحتاج إلى المحاسبة.

كيف تختلف الضريبة الصفرية في مصر عن باقي دول العالم؟

عالميًا، هناك عدد قليل من الدول حول العالم لا تفرض أي ضريبة على الدخل الشخصي أو على أرباح الشركات. تعتمد هذه الدول غالبًا على مصادر أخرى للإيرادات مثل السياحة، أو الرسوم على الخدمات، أو الثروات الطبيعية. من أمثلة هذه الدول جزر البهاما، برمودا، وجزر كايمان.

بعض الدول قد لا تفرض ضريبة على الشركات بشكل عام أو توفر مناطق حرة تتمتع فيها الشركات بمعدل ضريبة صفري على الأرباح. الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، كانت لا تفرض ضريبة اتحادية على الشركات حتى وقت قريب، حيث أنها غيرت هذا النظام لتوفر مناطق حرة تتمتع بإعفاءات ضريبية فقط.

أما عن المفهوم الأكثر شيوعًا “للضريبة الصفرية” فيكون ضمن نظام ضريبة القيمة المضافة (VAT) أو ضريبة المبيعات. في هذه الحالة، تخضع سلع أو خدمات معينة (مثل الصادرات، بعض المعدات الطبية، أو الأدوية) لمعدل ضريبة قدره 0%. الفارق الجوهري هنا عن “الإعفاء الضريبي” هو أن الشركات التي تبيع سلعًا أو خدمات خاضعة للضريبة الصفرية لا تزال تستطيع استرداد ضريبة القيمة المضافة التي دفعتها على مدخلاتها (مشترياتها المتعلقة بهذه السلع/الخدمات). أما في حالة السلع المعفاة، فلا يتم فرض ضريبة القيمة المضافة على البيع، ولكن لا يمكن للشركة استرداد ضريبة المدخلات.

الحالة الموصوفة في مصر تبدو مختلفة عن المفهوم العام للدول ذات الأنظمة الضريبية الصفرية الشاملة، وأقرب إلى منح إعفاءات ضريبية محددة لكيانات معينة بدلاً من تطبيق نظام ضريبي صفري عام.

فالإعفاء في مصر انتقائي وموجه لكيانين محددين عبر تعديل تعريف “الجهات الحكومية”. هذا يختلف عن الدول التي لديها قوانين ضريبية عامة لا تفرض ضرائب على جميع الشركات أو على فئات واسعة من الدخل، لذا فإن ما تم في مصر هو منح “إعفاء كامل من الضرائب” لهذه الكيانات، وليس تحويل النظام الضريبي المصري ككل إلى نظام صفري. بقية الشركات والمواطنين في مصر لا يزالون خاضعين للنظام الضريبي العام، بل وربما يواجهون زيادات ضريبية أيضًا.

الدول التي تتبنى أنظمة ضريبية صفرية شاملة غالبًا ما تفعل ذلك كجزء من استراتيجية اقتصادية لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات بشكل عام، وتعتمد على مصادر دخل بديلة. كما أن الإعفاء جاء من خلال “تعديل تعريف الجهات الحكومية”، وهو ما قد أثار تساؤلات قانونية وتشريعية حول المساواة والعدالة الضريبية، مقارنة بسن قوانين ضريبية واضحة تطبق على الجميع في الدول ذات الأنظمة الصفرية.

بعض الدول التي تقدم ضرائب منخفضة جدًا أو صفرية تُعرف بـ “الملاذات الضريبية”. هذه الدول غالبًا ما تواجه انتقادات دولية بسبب دورها المحتمل في مساعدة الشركات متعددة الجنسيات على التهرب الضريبي من دول أخرى لديها معدلات ضريبية أعلى.

كما أن هناك جهود دولية، تقودها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، لفرض حد أدنى عالمي لضريبة الشركات (حاليًا مقترح بنسبة 15%) على الشركات الكبيرة. هذا يهدف إلى الحد من المنافسة الضريبية الضارة بين الدول وتقليل فرص التهرب الضريبي. انضمت العديد من الدول لهذا الاتفاق.

بالتالي، بينما توجد دول وأنظمة ضريبية صفرية عالميًا، فإن ما حدث في مصر يبدو كحالة خاصة من الإعفاء الضريبي الموجه لكيانات محددة، وليس تطبيقًا لنظام ضريبي صفري بالمعنى المتعارف عليه عالميًا. هذا التمييز مهم لفهم التداعيات المحتملة على الاقتصاد المصري والعدالة الضريبية داخل البلاد، خاصة عند مقارنتها بالنماذج العالمية.

المصادر

Abu Dhabi Developmental Holding Company PJSC
مصر تعتمد “أبوظبي القابضة” مؤسسة حكومية وتعفيها من ضريبة الأرباح
الدول النفطية العربية بلا ضرائب دخل.. كيف ستواكب عالم ما بعد النفط؟
ما هي الأماكن التي تدفع بها الشركات أقل الضرائب؟
الدليل الشامل لضريبة القيمة المضافة للشركات الصغيرة والمتوسطة في السعودية
الضرائب الصفرية
اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي توسّع الأوعية الضريبية
الرابحون والخاسرون من الاتفاق الضريبي العالمي

One thought on “الضرائب الصفرية: حين تُباع أصول مصر دون مقابل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *