في الآونة الأخيرة، تتزايد تقارير حقوقية عن ممارسات السلطات المصرية حول منع دخول السوريين إلى الأراضي المصرية، حيث أصدر الطيران المدني قرارًا بتاريخ 29 ديسمبر 2024، يقصر دخول السوريين القادمين من مختلف دول العالم على حاملي تأشيرات الإقامة المؤقتة لغير السياحة، مع فرض غرامات إدارية على شركات الطيران التي تخالف التعليمات.
لم يقتصر القرار على السوريين فقط بل شمل أيضًا الفلسطينيين القادمين من دول معينة مثل سوريا، السودان، ليبيا، العراق واليمن، فيما تصدرت قضايا السودانيين في مصر المشهد الحقوقي، حيث كشفت تقارير منظمة العفو الدولية عن حالات موثقة للحجز التعسفي والترحيل القسري للسودانيين، بما في ذلك اللاجئين وطالبي اللجوء.
وتشير الأدلة إلى تعرضهم للاعتقال دون مبرر قانوني، والاحتجاز في ظروف غير إنسانية، فضلًا عن اختفاء قسري لبعضهم في ظروف غامضة. هذه الانتهاكات أثارت قلقًا واسعًا من المنظمات الحقوقية الدولية، مسلطة الضوء على التحديات التي تواجه الجالية السودانية في مصر، وسط تصاعد التوترات الإقليمية وزيادة الضغوط الأمنية.
حملات جماعية للاعتقال والاحتجاز غير القانوني
منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان في أبريل 2023، فرّ الملايين من السودانيين من بلادهم، من بينهم 500 ألف لجأوا إلى الجارة مصر، وبدلًا من تسهيل مرورهم الآمن والكريم كما ينص عليه القانون الدولي للاجئين، فرضت السلطات المصرية قيودًا صارمة على دخولهم، واعتقلت منهم العديد من الأشخاص ورحّلت بعض من الذين دخلوا مصر بطرق غير نظامية فرارًا من الحرب.
كانت الحكومة المصرية قد أصدرت في ٢٩ أغسطس ٢٠٢٣ القرار رقم ٣٣٢٦ الذي كان يسمح للمهاجرين/ات بتقنين إقامتهم في مصر بدفع ألف دولار وغرامات التأخير. بعد ذلك مباشرة، تلقت منصة اللاجئين في مصر والتحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنظمات حقوقية أخرى مئات البلاغات بشأن اعتقالات ممنهجة بحق اللاجئين/ات والمهاجرين/ات السودانيين/ات، فضلًا عن عمليات احتجاز تعسفي وحملات إعادة قسرية تمارسها السلطات المصرية بحقهم/هن.
من الجدير بالذكر أن مصر من بين الدول الموقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي تحظر المادة 13 منه الترحيل التعسفي، وقد فسرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المادة ٧ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأنها تمنع ترحيل الأشخاص تعسفيًا إلى الأماكن التي يتعرضون فيها لخطر التعذيب أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو التي تحط من الكرامة،
بالإضافة لذلك، تمنع كلًا من اتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاقية المتعلقة باللاجئين الأفارقة الدول الموقعة عليها، ومصر من بينها، من إرسال الأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر الاضطهاد أو التعذيب، وتدعو الاتفاقيةُ المتعلقة باللاجئين الأفارقة الدول الأطراف لبذل قصارى جهدها لاستقبال اللاجئين وتوفير حق اللجوء لهم.
لم تمنع كل تلك القوانين والمواثيق السلطات المصرية من اعتقال السودانيين وترحيلهم حيث بدأت حملات الاعتقال والترحيل في أواخر أغسطس ٢٠٢٣، ولا تزال مستمرة حتى الآن في جميع أنحاء البلاد، داخل مدن مثل القاهرة والجيزة وأسوان والبحر الأحمر ومطروح والإسكندرية، وعلى طول الحدود الجنوبية لمصر.
وفقًا لأدلة جمعتها منظمة العفو الدولية، تمكنت المنظمة من توثيق اعتقال تعسفي لـ1087 لاجئًا سودانيًا بما في ذلك عشرات النساء والأطفال بين سبتمبر 2023 ومارس 2024. ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تم تسجيل أكثر من 5000 عملية ترحيل، معظمها لسودانيين، بما في ذلك لاجئين مسجلين، من مصر إلى السودان بين أبريل وسبتمبر 2023. في سبتمبر 2023 وحده، تم تسجيل أكثر من 3000 حالة ترحيل.
ومع استمرار الصراع في السودان، يواجه عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين غير المسجلين في مصر مخاطر الاعتقال التعسفي والترحيل القسري، في الوقت الذي أعلن فيه الاتحاد الأوروبي في مارس 2024 عن شراكة استراتيجية مع مصر تضمنت حزمة مساعدات واستثمارات بقيمة 7.4 مليار يورو لتعزيز التعاون في إدارة الهجرة، متجاهلين الانتهاكات الحقوقية المستمرة بحق اللاجئين.
التنكيل بالسودانيين يحصل بشكل عشوائي وليس بناء على ارتكاب مخالفات
وثقت منظمة العفو الدولية اعتقالات جماعية للسودانيين في مناطق حضرية مثل القاهرة والجيزة وأسوان، حيث استهدفت الشرطة السودانيين بشكل خاص من خلال عمليات التحقق من الهوية في الشوارع ووسائل النقل. كما تم اعتقال لاجئين من مستشفيات عامة في أسوان، حيث كانوا يتلقون العلاج بعد إصابات أثناء فرارهم من السودان.
يُحتجز اللاجئون في منشآت مؤقتة مثل مخازن واسطبلات خيل في أسوان في ظروف قاسية وغير إنسانية ومكتظة مع نقص الغذاء والماء وانعدام الرعاية الصحية. في بعض الحالات، تم نقل لاجئين من المستشفيات قبل تعافيهم بشكل كامل وضد النصائح الطبية بمن فيهم أولئك الذين يعانون من حالات صحية مزمنة أو خطيرة، وأُجبر العديد منهم على التوقيع على وثائق دون معرفة محتواها قبل ترحيلهم قسرًا. كما وثقت منظمة العفو الدولية اعتقالات تعسفية لأفراد يحملون تصاريح إقامة أو بطاقات تسجيل صادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
خالد، لاجئ سوداني يبلغ من العمر 39 عامًا ومسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكان يعيش في مصر منذ عام 2013، أخبر منظمة العفو الدولية أنه في 10 سبتمبر 2023، أوقفه شرطيان بملابس مدنية في ميدان رمسيس بالقاهرة، واقتاداه إلى قسم شرطة الأزبكية بسبب عدم حيازته تصريح إقامة رغم وجود نسخة منه على هاتفه،ما أدى لاحتجازه لمدة ثلاثة أيام دون أن يُعرض على النيابة متجاوزة الحد القانوني البالغ 24 ساعة لاستجواب المشتبه بهم بعد اعتقالهم وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية. أطلقت الشرطة سراحه لاحقًا مع تحذيره بضرورة حمل تصريح إقامة صالح ونسخة ورقية من بطاقة المفوضية الخاصة به، وإلا سيواجه الترحيل.
أنور، سوداني آخر يبلغ من العمر 21 عامًا، فر من مدينة سنار في السودان في ديسمبر 2023 بعد هجوم قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني. أبلغ منظمة العفو الدولية أنه دخل أسوان بطرق غير نظامية برفقة أسرته لكنه اعتُقل مع سودانيين آخرين عند نقطة تفتيش في أسوان أثناء سفرهم بالحافلة إلى القاهرة. أُبلغ أنور ومجموعته بأنهم سيحتجزون لمدة ثلاثة أيام لاستكمال الأوراق، لكنهم احتُجزوا لفترات أطول بكثير. ظل أنور في مركز شرطة كوم أمبو لمدة 13 يومًا ثم نُقل إلى معسكر قوات الأمن المركزي لمدة 18 يومًا قبل ترحيله في 22 يناير 2024.
كما وثقت المنظمة ثلاث حوادث اعتقال جماعي في المناطق الحدودية حيث اُعتقل لاجئين سودانيين في وادي العلاقي ومعبر أرقين وأماكن أخرى أثناء محاولتهم الوصول إلى أسوان. لم يُبلغ اللاجئون بأسباب اعتقالهم، ولم تُتح لهم الفرصة للطعن في احتجازهم، وفي بعض الحالات أُجبر اللاجئون على توقيع وثائق دون معرفة محتواها.
أما عن إسراء، البالغة من العمر 27 عامًا، فقد فرت من الخرطوم برفقة والدتها في يونيو 2023 بعد أن تعرض منزلهم للقصف. في 18 يناير 2024 دخلت هي ووالدتها مع 17 لاجئًا سودانيًا آخر، بينهم 10 أطفال وخمس نساء، إلى مصر بطريقة غير نظامية بعد عبورهم الحدود على متن شاحنة صغيرة أنزلتهم في منطقة الكسرات خارج أسوان.
من هناك، استقلوا حافلة صغيرة متجهة إلى أسوان، لكن عدة شاحنات مزودة بأسلحة اعترضت طريقهم، ليتوجه نحوهم رجالًا يرتدون زيًا مموهًا خرجوا من الشاحنات في الوقت الذي كان هناك خمس حافلات صغيرة أخرى تقل حوالي 80 لاجئًا سودانيًا تم اعتراضهم خلال الساعات الأربع التالية في المنطقة ذاتها. في النهاية، اقتادت السلطات الحافلات الست إلى موقع عسكري وصفته إسراء بأنه يقع بالقرب من قرية نجع الكرور والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في أسوان، حيث احتُجزت لمدة ثمانية أيام قبل ترحيلها، دون أن تُعرض على أي سلطة قضائية.
ظروف قاسية ولا إنسانية للاحتجاز
وفقًا لشهادات معتقلين سابقين، قامت قوات حرس الحدود باحتجاز اللاجئين السودانيين داخل مستودعين متسخين في موقع عسكري بمدينة أبو سمبل أحدهما للرجال والآخر للنساء والأطفال. وأظهرت صور ومقاطع فيديو اُلتقطت في يناير 2024 عن عشرات النساء والأطفال يجلسون على أرضية متسخة مع انتشار القمامة في أحد الزوايا. كما كانت المستودعات موبوءة بالفئران وأعشاش الحمام بجانب معاناتهم من البرد الشديد ليلًا بسبب النوافذ الكبيرة المفتوحة دائمًا دون توفير ملابس أو بطانيات ملائمة لهم.
وأظهرت مقاطع الفيديو الخاصة بمستودع الرجال اكتظاظًا شديدًا، حيث تم تكديس عشرات الرجال على الأرض دون مساحة كافية للحركة. وذكر المعتقلون أن أكثر من مئة سوداني تم احتجازهم في المستودع في وقت واحد، مع وصول محدود جدًا إلى المرافق التي كانت غير نظيفة وغير صحية مثل المراحيض الممتلئة بالقاذورات. أشاروا أيضًا إلى أن الرجال كانوا يُسمح لهم باستخدام المراحيض خلال النهار فقط تحت مرافقة الحراس، بينما كانوا يضطرون ليلاً إلى التبول في زجاجات بلاستيكية.
وصفت إسراء، إحدى المحتجزات، الظروف القاسية في موقع عسكري آخر قرب قرية نجع الكرور، حيث احتُجزت مع والدتها لمدة ثلاثة أيام في يناير 2024، حيث ذكرت أن النساء والأطفال تم احتجازهم في إسطبل للخيول تبلغ مساحته حوالي 3×5 أمتار، دون أبواب، مع وجود جنديين مسلحين يحرسونهم باستمرار.
بسبب ذلك، طالبت منظمات حقوقية من بينها منظمة العفو الدولية تعليق المساعدات المالية المقدمة لمصر، بما في ذلك الحزم الاستثمارية المقدمة من الاتحاد الأوروبي، حتى تلتزم مصر بوقف الانتهاكات وضمان حماية حقوق اللاجئين. كما طالبت بفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية على الحكومة المصرية إذا استمرت في سياساتها ضد اللاجئين السودانيين.
كما صرحت منظمة العفو الدولية أنه يتم الضغط على السلطات المصرية لفتح تحقيقات مستقلة وشفافة حول حالات الاحتجاز التعسفي والترحيل القسري، وضمان تقديم المسؤولين عنها للعدالة، وضمان توفير الحماية الدولية للاجئين السودانيين عبر الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك إعادة توطينهم في دول أخرى وتقديم الدعم القانوني لهم.
المصادر
https://www.amnistia.pt/wp-content/uploads/2024/06/Egypt-Sudanese-refugees-report.pdf
https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights
https://cihrs.org/egyptian-authorities-must-end-arbitrary-detentions-and-forced-deportations-of-sudanese-refugees-and-asylum-seekers/
https://www.alhurra.com/egypt/2024/06/19/%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%B4%D9%83%D9%84-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%8A%D9%82%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%9F
https://daraj.media/%D9%85%D8%AA%D9%89-%D9%8A%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%91%D9%81-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88/
https://menarights.org/ar/articles/byan-mshtrk-ly-alsltat-almsryt-altwqf-n-mlyat-alahtjaz-altsfy-waltrhyl-alqsry-llajyynat
https://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%81%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%B2-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86/a-69424215
https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2024/06/egypt-authorities-must-end-campaign-of-mass-arrests-and-forced-returns-of-sudanese-refugees/
https://www.infomigrants.net/bn/post/60773/%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%B2%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2-%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D9%87%D8%AF%D8%AF-%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84
https://asharq.com/politics/111980/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%AF%D8%AE%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%86%D9%8A-%D8%AD%D8%A7%D9%85%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D9%82%D8%AA%D8%A9/