بعد تصريحات ترامب:ماذا نعرف عن الامتيازات الأمريكية في قناة السويس؟

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلًا واسعًا بإعلانه أن السفن الأمريكية يجب أن يُسمح لها بالعبور مجانًا عبر قناتي السويس وبنما. جاء هذا التصريح في أعقاب سلسلة من الهجمات الأمريكية ضد الحوثيين، الذين كانوا يقدمون دعمًا لجبهة غزة قرب مضيق باب المندب.

وقال ترامب: “ينبغي السماح للسفن الأمريكية، سواء العسكرية أو التجارية، بالإبحار عبر قناتي بنما والسويس دون دفع رسوم”، مشيرًا إلى أنه كلّف وزارة الخارجية بالعمل على إبرام ترتيبات تضمن هذا الامتياز. وتستند هذه المطالبة إلى رأي بعض السياسيين الأمريكيين الذين يعتبرون أن الدور التاريخي للولايات المتحدة في تأمين الملاحة عبر هذين الممرين يمنحها حق المرور المجاني.

لكن، هل تمتلك الولايات المتحدة بالفعل امتيازات خاصة في قناة السويس؟ وما هو الإطار القانوني والتنفيذي الذي ينظم مرور السفن الأمريكية، المدنية والعسكرية، عبر هذا الشريان الملاحي الحيوي؟ في هذا التقرير، نستعرض بالتفصيل الامتيازات القائمة، سواء المالية أو الإجرائية، الممنوحة للسفن الأمريكية، مع تمييز دقيق بين السفن التجارية والعسكرية، بالاستناد إلى وثائق رسمية ومصادر موثوقة.

عنوان فرعي
حرية الملاحة في قناة السويس: الخلفية القانونية والاتفاقيات الدولية

تم إقرار مبدأ حرية الملاحة في قناة السويس لجميع الدول دون تمييز منذ القرن التاسع عشر، إذ نصّت اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 على أن تبقى القناة “حرة ومفتوحة أمام كافة السفن التجارية والحربية، دون تمييز في العلم، سواء في زمن السلم أو الحرب”.

وجددت معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل عام1979التأكيد على هذا المبدأ، إذ ضمنت مصر حق المرور الحر لجميع الدول عبر القناة.وقد نصّت المادة الخامسة من المعاهدة بوضوح على منح السفن الإسرائيلية حق المرور الحر وفقًا لاتفاقية1888، وهو الحق ذاته الذي يتمتع به سائر الدول.وبناءً عليه، تحظى السفن الأمريكية، سواء كانت مدنية أو عسكرية، بحق قانوني في المرور عبر القناة دون منع أو تمييز.

قناة السويس والبحرية الأمريكية: تسهيلات استراتيجية دون إعفاء مالي

تحظى السفن الحربية الأمريكية بمعاملة خاصة عند عبورها قناة السويس، بفضل التحالف العسكري الطويل بين مصر والولايات المتحدة. فعليًا، يُسمح للقطع البحرية الأمريكية — مثل حاملات الطائرات والفرقاطات — بتجاوز السفن التجارية في قوافل العبور، ما يمنحها أولوية المرور.

وقد أكدت تقارير صحفية ودراسات أمريكية هذه الامتيازات اللوجستية، مشيرة إلى أن البحرية الأمريكية تتمتع بـ”حقوق أولوية” تتيح لها التقدم في قوافل العبور اليومية، مما يمكّن سفنها الحربية من العبور بسرعة ودون انتظار طويل، وهو ما يمثل تسهيلًا كبيرًا للعمليات العسكرية. ووفق تصريحات رسمية، توفر هيئة قناة السويس للبحرية الأمريكية مرورًا معجلًا (expedited passage) ضمن إجراءاتها الخاصة.

وإلى جانب أولوية المرور، تلتزم مصر بالسماح للسفن الحربية الأمريكية بالعبور حتى في أوقات الأزمات الإقليمية، التزامًا بمبدأ حرية الملاحة. على سبيل المثال، خلال الاضطرابات الداخلية في مصر عام 2013، سمحت القاهرة لحاملة طائرات أمريكية ومجموعتها القتالية بعبور القناة دون تأخير.

وبحسب الأسطول الأمريكي الخامس، تعبر سنويًا ما بين 35 إلى 45 سفينة حربية أمريكية قناة السويس، بما في ذلك حاملات الطائرات، حتى خلال فترات التوتر السياسي، ما يعكس حرص مصر على الاستمرار في توفير هذه التسهيلات لحليفتها الاستراتيجية.

تاريخيًا، أبدت مصر حذرًا تجاه عبور السفن ذات الدفع النووي عبر القناة لأسباب تتعلق بالسلامة، إلا أن التعاون العسكري الوثيق أدى إلى منح استثناءات خاصة للسفن الأمريكية. ففي عام 1986، أصبحت حاملة الطائرات النووية “يو إس إس إنتربرايز” أول سفينة عاملة بالطاقة النووية تعبر قناة السويس، بعد تنسيق عالي المستوى بين الحكومتين. ومنذ ذلك الحين، سُمح لعبور حاملات طائرات وغواصات أمريكية نووية أخرى في حالات محددة، وهو استثناء نادر لم تحظَ به سفن دول أخرى بنفس السهولة.

بالإضافة إلى ذلك، توفر السلطات المصرية تأمينًا مشددًا أثناء عبور الوحدات العسكرية الأمريكية، بما يشمل تأمين الممر الملاحي وإيقاف حركة الصيد والقوارب الصغيرة كإجراء وقائي. كما تستفيد البحرية الأمريكية من التسهيلات اللوجستية المصرية، مثل محطات التزود بالوقود واستخدام القواعد القريبة عند الحاجة، وذلك في إطار مذكرة التفاهم اللوجستية الموقعة بين البلدين في أبريل 2021، التي تنظم دعم العمليات العسكرية المتبادلة على أساس السداد.

ورغم الامتيازات التشغيلية العديدة، لا تتمتع السفن الحربية الأمريكية بإعفاءات مالية دائمة من رسوم عبور قناة السويس. فهي تدفع الرسوم المقررة وأي رسوم إضافية مقابل الخدمات، مثلها مثل سفن باقي الدول. ووفق تقارير الكونجرس الأمريكي، يسدد البنتاجون هذه الرسوم من ميزانيته التشغيلية، حيث بلغ متوسط رسم العبور للسفينة الحربية الأمريكية نحو 300 ألف دولار للرحلة الواحدة مؤخرًا.

ومع أن التعاون العسكري والمساعدات السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر — والتي تبلغ نحو 1.3 مليار دولار — قد تسهم ضمنيًا في استمرار التسهيلات والتعامل التفضيلي، فإن الرسوم المقررة قانونيًا تظل سارية. وتفيد بعض المصادر أن هيئة قناة السويس أبدت مرونة في بعض الحالات بعقد اتفاقيات تخفيض مع العملاء الكبار، مما قد يشمل تفاهمات غير معلنة تمنح خصومات محدودة للسفن الأمريكية خلال عمليات عسكرية كبرى أو عبور مكثف في أوقات الأزمات، لكن لا توجد وثائق رسمية منشورة تؤكد وجود إعفاءات شاملة للولايات المتحدة.

السفن التجارية الأمريكية: حقوق متساوية دون امتيازات خاصة

تتمتع السفن التجارية التي ترفع العلم الأمريكي بحق المرور عبر قناة السويس شأنها شأن جميع السفن الأجنبية الأخرى، دون أي عوائق أو تمييز سلبي، وذلك استنادًا إلى اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 والتزامات مصر الدولية. ومنذ أواخر السبعينيات، شددت مصر على إنهاء أي سياسات مقاطعة أو تمييز في عبور السفن، مما يضمن للسفن الأمريكية المدنية حقوق مرور متساوية مع غيرها.

بموجب ذلك، تلتزم السفن الأمريكية بدفع رسوم العبور وفقًا للحمولة والمسار، تمامًا كسائر السفن. كما تُحصَّل رسوم الملاحة المساندة، مثل رسوم القطر ورسوم خدمات الموانئ، بطريقة موحدة بغض النظر عن جنسية السفينة.

وفي هذا الإطار، تعتمد هيئة قناة السويس برامج حوافز وتخفيضات عامة لجميع السفن، بهدف تشجيع استخدام القناة على بعض الخطوط الملاحية. فعلى سبيل المثال، تبرم الهيئة اتفاقيات مع شركات الملاحة تتضمن حسومات على الرسوم لعبور مسارات محددة أو للشركات ذات العبور المنتظم. وهذه التخفيضات متاحة لأي مشغل يستوفي الشروط، بما في ذلك السفن الأمريكية أو السفن المتجهة من وإلى الولايات المتحدة، لكنها لا تُعد امتيازًا خاصًا بجنسية معينة، بل تُطبق على أساس معايير المسار والاستخدام.

المصادر:

اتفاقية القسطنطينية (1888) – مضمون المادة الأولى حول حرية الملاحة
معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية 1979 – نص يضمن حق المرور الحر وفق اتفاقية
تقرير وكالة فرانس برس (via Naharnet) – تأكيد تمتع السفن الحربية الأمريكية بامتياز تجاوز طوابير الانتظار لعبور
 وعدد العبرات السنوية للأسطول
مذكرة بحثية للكونجرس الأمريكي – توثّق أن هيئة قناة السويس توفر مرورًا معجّلًا للبحرية الأمريكية مع استمرار فرض الرسوم 
تصريحات محللين ومسؤولين عسكريين – دور مصر في تسهيل عبور القطع الأمريكية كجزء من التحالف (مقتبس في تحليل لـBreaking Defense عام 2021)​
أرشيف البحرية الأمريكية – حدث عبور حاملة USS Enterprise عام 1986 كأول سفينة نووية عبرت السويس كاستثناء
تغطية وكالة رويترز (2025) – تصريح الرئيس ترامب بالمطالبة بإعفاء السفن الأمريكية من رسوم السويس 
تقارير عسكرية حديثة – متوسط رسوم عبور السفن الحربية الأمريكية (~300 ألف دولار) وتصريح حول اتفاقيات خصم تجارية عامة تقدمها هيئة القناة
معاهدة القسطنطينية في 29 أكتوبر سنة 1888 
EGYPT and ISRAEl
U.S. Carrier Passes through Suez Canal, despite Tensions
Egypt, US Commit To Bright Star, Shared Logistics
Enterprise Transits Suez Canal for Final Time

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *