شهدت مصر خلال الأيام الأخيرة أزمة طاقة مفاجئة نتيجة توقف تدفق الغاز الإسرائيلي إليها عقب إغلاق حقل “ليفياثان” البحري، أكبر حقول الغاز في إسرائيل. جاء هذا التطور في سياق التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، ما دفع وزارة البترول المصرية إلى تفعيل خطة طوارئ لضمان استمرارية عمل شبكة الكهرباء وتأمين إمدادات الغاز الطبيعي.
يُعد حقل “ليفياثان” البحري أحد أهم مصادر الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، وتديره شركة شيفرون الأمريكية، حيث تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 1.2 مليار قدم مكعب يوميًا. منذ عام 2020، أصبحت مصر تعتمد بشكل متزايد على واردات الغاز من إسرائيل، خاصة من حقلي “ليفياثان” و”تمار”، لتغطية جزء من العجز في إنتاجها المحلي، والذي يقدر بنحو 3.5 مليار متر مكعب يوميًا، بينما تساهم إسرائيل بنحو مليار متر مكعب من هذا العجز.
في 13 يونيو 2025، أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية إغلاق الحقل بشكل مؤقت بسبب المخاوف الأمنية الناتجة عن التصعيد العسكري، واستندت الشركات الموردة للغاز إلى بند “القوة القهرية” في العقود، والذي يسمح بوقف أو تقليل الإمدادات في حالات الحرب أو الظروف الاستثنائية.
تداعيات فورية على السوق المصري وخطة طوارئ
أدى الانخفاض الحاد في واردات الغاز الإسرائيلي إلى مصر إلى تداعيات مباشرة على القطاعات الصناعية، حيث اضطرت شركات الأسمدة المصرية إلى وقف عملياتها الإنتاجية. كما أعلنت وزارة البترول المصرية عن تفعيل خطة الطوارئ الخاصة بأولويات الإمداد بالغاز الطبيعي، والتي تضمنت إيقاف إمدادات الغاز لبعض الأنشطة الصناعية وتوجيه الموارد المتاحة إلى محطات الكهرباء.
رفعت الحكومة المصرية استهلاك محطات الكهرباء للمازوت إلى أقصى كمية متاحة، وبدأت في تشغيل بعض المحطات بالسولار كإجراء احترازي لتجنب تخفيف الأحمال الكهربائية، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب على الطاقة خلال فصل الصيف.
كما بدأت في زيادة الاعتماد على سفن إعادة التغويز (LNG FSRUs) لضخ الغاز المسال المستورد إلى الشبكة القومية. في هذا السياق، أشارت الوزارة إلى وصول ثلاث سفن لإعادة التغويز إلى الموانئ المصرية، حيث بدأت إحداها بالفعل في ضخ الغاز، بينما يجري تجهيز وربط السفينتين الأخريين لبدء الضخ.
الآثار الاقتصادية والصناعية
بسبب هذه الأزمة، تضررت بشكل خاص الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وعلى رأسها شركات الأسمدة التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي كمادة خام وطاقة تشغيلية، حيث أدى وقف الإمدادات إلى تعطيل الإنتاج وتهديد سلاسل التوريد، ما قد ينعكس على أسعار المنتجات الزراعية والغذائية محليًا.
كما أن الاعتماد المتزايد على المازوت والسولار يرفع من تكلفة إنتاج الكهرباء ويزيد الضغط على الميزانية الحكومية، فضلًا عن الأثر البيئي السلبي لاستخدام هذه الأنواع من الوقود مقارنة بالغاز الطبيعي.
ومن الجدير بالذكر أن مصر تعتمد على فائض الغاز لتصديره إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية عبر محطات الإسالة، لكن استمرار الأزمة قد يجبرها على تقليص الصادرات أو حتى استيراد المزيد من الغاز المسال لتلبية الطلب المحلي، ما يفاقم أزمة الطاقة ويؤثر على الإيرادات الدولارية.
التحديات المستقبلية والسيناريوهات المحتملة
في حال استمرار توقف إمدادات الغاز من إسرائيل لفترة طويلة، ستضطر مصر إلى تسريع مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال، ما يرفع التكلفة ويزيد الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي، فضلًا عن احتمالية فرض قيود إضافية على بعض القطاعات الصناعية لتوفير الغاز لمحطات الكهرباء.
تعتمد عودة ضخ الغاز إلى مصر على استقرار الأوضاع الأمنية وعودة العمل بحقل “ليفياثان”. حتى وقت كتابة التقرير، لم تصدر وزارة البترول المصرية أو الشركات الموردة أي جدول زمني محدد لاستئناف الإمدادات، ما يبقي حالة عدم اليقين قائمة ويثير مخاوف من أزمة طاقة ممتدة.
وتسعى مصر إلى تعزيز قدراتها في مجال استقبال وإعادة تغويز الغاز المسال من خلال تشغيل خمس سفن تغويز خلال العام المالي 2025-2026، ما يوفر مرونة أكبر في مواجهة تقلبات الإمدادات الإقليمية. إلا أن هذه الحلول تحتاج إلى وقت واستثمارات كبيرة، ولا يمكنها تعويض الاعتماد الكبير على الغاز الإسرائيلي في المدى القصير.
أظهرت أزمة توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر هشاشة منظومة الطاقة أمام التقلبات الجيوسياسية. وعلى الرغم من سرعة استجابة الحكومة وتفعيلها لخطة طوارئ، إلا أن استمرار الأزمة يفرض تحديات كبيرة على الاقتصاد المصري وقطاعاته الحيوية.
المصادر
بعد توقف إمدادات الشرق.. مصر تُفعّل خطة طوارئ الغاز
مصر تعلن حالة الطوارئ بعد تعليق إمدادات الغاز الإسرائيلي
مصر تُفعّل “طوارئ الغاز” بعد توقف إمدادات الشرق
مصر تعلن حالة الطوارئ في قطاع الغاز بسبب العدوان على إيران
إغلاق أكبر حقل غاز في إسرائيل.. هل يجبر مصر على قطع الكهرباء؟
وزير الطاقة الإسرائيلي يعلن إغلاق حقل الغاز الرئيسي في المتوسط
انخفاض إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر بعد إغلاق حقل ليفياثان
أزمة الطاقة تتفاقم في مصر مع توقف الغاز الإسرائيلي بسبب التوتر
إسرائيل تغلق ليفياثان أكبر حقل غاز طبيعي لديها.. ومصر متضررة