بناء على قرار ترامب بوقف المساعدات الخارجية للوكالة الامريكية للتنمية الدولية USAID نشر موقع برنامج “رواد وعلماء مصر” الممول من USAID أنه تم تعليق جميع أنشطة برنامج “رواد وعلماء مصر” اعتبارًا من 24 يناير 2025 لمدة 90 يومًا امتثالًا للتوجيهات. جاء قرار ترامب ليثير الكثير من الفوضى ليس في مصر فقط ولكن العالم كله.
بدأت صدمة هذا القرار مع مئات من الطلاب المصريين الذي يتعلق مستقبلهم الأكاديمي بالمنح المقدمة من USAID، فجاء هذا القرار ليعطل عدد من أشهر البرامج الرئيسية المتعلقة بالمنح الدراسية مثل الرواد المصريين للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ” USAID Egyptian Pioneers”، وعلماء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID Scholars”، وبرنامج قادة الغد “Tomorrow’s Leaders Program”.
شمل هذا التعليق طلاب من جامعات مختلفة، حيث أثر بشكل مباشر على 13 جامعة بما في ذلك جامعة عين شمس، جامعة الإسكندرية، والجامعة الأمريكية في القاهرة (AUC)، ومدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، إذ وصل عدد الطلاب المتضررين حوالي 1077 طالب جامعي.
القطاعات المصرية المتأثرة بإغلاق الوكالة
جاء رد الفعل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر بتصريح بينت فيه حرصها على دعم كافة الطلبة لمواصلة دراستهم دون انقطاع، وأعلنت أن الجامعات ستلتزم بتغطية جميع المخصصات المالية والرسوم الدراسية التي منحتها الوكالة الأمريكية للطلاب حتى نهاية الفصل الدراسي الثاني.
كما أصدرت جامعة عين شمس بيانًا معلنةً أن جميع الرسوم الدراسية لطلاب المنح الدراسية ستشملها الجامعة شريطة أن يلتزم الطلاب بالمعايير الأكاديمية والانضباط. كما أكدت الجامعة الأمريكية أيضًا أنها ستغطي نفقات طلاب المنح الدراسية المسجلين للفصل الدراسي الثاني وأنها ستواصل التنسيق مع الوزارة، وعددهم يصل إلى 200.
ومن ضمن الخطوات الإيجابية أيضًا أنه تم إنشاء صندوق طوارئ لمساعدة الطلاب في الجامعة الأمريكية من تبرعات الخريجين وأعضاء هيئة التدريس، إلا أن مصير الطلاب الذين كانوا سيبدءون هذا الفصل الدراسي لا يزال مجهول.

لا يقتصر دعم الوكالة الأمريكية على منح التعليم فقط، بل يدخل في مجالات عدة على رأسها تسعة برامج أساسية نشطة في مصر مثل الاقتصاد الكلي والصحة والتعليم والبيئة والزراعة والغذاء والحماية الاجتماعية وتمكين السيدات. بالإضافة لذلك، عند غلق الوكالة أبوابها ستخسر تلك البرامج ليس التمويل فقط ، بل أيضًا الدعم الفني الذي تمنحه للمؤسسات عبر مختصصين أجانب يقدمون استشارات للمؤسسات المصرية، كما توفر فرص تدريب في الخارج أيضًا، وهذا كله معرض للأيقاف حسب ما ذكرت مؤسسة Enterprise.
على سبيل المثال ولتوضيح حجم الأضرار، فإن مستقبل 1.4 مليار دولار كان ممنوحًا للقطاع الزراعي لا يزال مبهم، ووفقًا ل Enterprise فإن القطاع الصحي قد تعرض لخسائر كبيرة بالفعل، جراء إغلاق جميع مشاريع الصحة العامة التي تمولها الوكالة، بما في ذلك أولئك المدعومين من قبل منظمة الصحة العالمية. في هذا السياق، ذكرت BBC أن إغلاق الوكالة قد يؤدي بشكل جاد إلى انتشار المرض والتأخير في تطوير اللقاحات والعلاجات الجديدة.
تناقضات ترامب و”الاحتيال الهائل”
جاء خبر إغلاق وكالة USAID صادمًا للأمريكين أنفسهم، فقد ظهر العديد من المقالات والتحليلات التي تحاول فهم تأثيرات هذا القرار، فيما ضجت وسائل الإعلام الأمريكية بهذا الحدث بشكل كبير.
أظهرت مجموعة من التقارير تناقضات ترامب وقراره هذا، ففي الوقت الذي وصف فيه ترامب الوكالة وأعمالها بالقيام ب”الاحتيال الهائل”، كانت زوجته وابنته من أكبر الداعمين للوكالة والمروجين لأعمالها، حيث أعلنت ميلانيا ترامب في عام 2018 خلال زيارتها لمصر كسيدة أولى دعمها للوكالة آنذاك.

قامت ميلانيا بجولة حينها عند أبو الهول، حيث تابعت مشروعًا مدعومًا من USAID للحد من المياه الجوفية التي تعمل على تآكل الكلمات الهيروغليفية في نصب مصري هناك، كما أبدت إعجابها بعمل الوكالة لتوفير الفرص الاقتصادية للشعب المصري.
ولم تكن ميلانيا الوحيدة التي دعمت الوكالة، فقد وقّع ترامب نفسه في 2019 على مذكرة تطلق مبادرة جديدة باسم “التنمية والازدهار العالمي للسيدات” التي تهدف إلى تمكين المرأة في العالم النامي عبر تطوير صندوق بقيمة 50 مليون دولار ليتم توزيعه من قبل الوكالة بهدف تمكين 50 مليون امرأة في البلدان النامية بحلول عام 2025.
كما قامت ابنته إيفانكا برحلتها الخاصة لأفريقيا التي التقت فيها مع نساء مزارعات حصلن على الدعم من مشروع تموله USAID بقيمة 2 مليون دولار يهدف إلى دعم رواد الأعمال في جميع أنحاء القارة.
إحدى المقالات التي سلطت الضوء على تناقضات ترامب تقرير نُشر في Center for Global Development، حيث قارن الكاتب بين الأمثلة التي قدمها البيت الأبيض كدليل على إهدار وكالة USAID للمال العام، والتي استُخدمت لتبرير وقف عملياتها. وأشار الكاتب إلى أن هذه الأمثلة غير دقيقة ولا تعكس بشكل صحيح طبيعة وتأثير عمل الوكالة، كما وضح أن المبلغ المُشار إليه على أنه إهدار من قبل الوكالة يمثل جزءًا ضئيلًا من ميزانيتها، مؤكدًا أن إغلاقها سيؤدي إلى هدر أكبر بسبب تكاليف تعويضات العقود للعاملين.
الدبلوماسية الأمريكية مقابل الشراكات الصينية
في تقرير يحمل عنوان “إغلاق USAID يجعل الولايات المتحدة أقل أمانًا”، تناول فكرة أن إنهاء المساعدات الخارجية يعني تخلي الولايات المتحدة عن أداة دبلوماسية أساسية، في الوقت الذي تستمر فيه بإنفاق المزيد من الأموال على التسليح والحروب.
وعن الغرض من تأسيس الوكالة، ذكر الكاتب أن USAID جاءت لتعزيز المصالح الأمريكية من خلال المساعدات الخارجية، والتي ساهمت بالفعل في تعزيز ودعم الأمن القومي والمصالح السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة. وحسب الكاتب فإنه على الرغم من أن المساعدات الخارجية “قوة ناعمة” أفضل من الأسلحة والحروب، إلا أنها أداة قوية لتوسيع النفوذ الأمريكي حول العالم.
ويرى الكاتب أن تجميد تمويل المساعدات الخارجية ليس متعلقًا بتوفير المال، فميزانية الشؤون الخارجية والمساعدات الأمريكية الإجمالية تبلغ حوالي 56 مليار دولار، وهي نسبة ضئيلة من إجمالي الإنفاق الأمريكي خاصة بالمقارنة مع زيادة الإنفاق العسكري، إذ في الوقت الذي يتم فيه تخفيض المساعدات الخارجية، يدفع الكونجرس ما يصل إلى 200 مليار دولار إضافية للإنفاق العسكري، وهو ما يعمل بشكل مباشر على تقليل الأمن.
كترتيب منطقي، وفي غياب المساعدات الخارجية، يصبح الجيش الأداة البارزة لمواجهة تحديات السياسة الخارجية. وينتقل الكاتب إلى مقارنة هذا الوضع مع الصين التي تقدم مليارات الدولارات من التمويل التنموي للدول في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط كجزء من مبادرة الحزام والطريق. ويدعو إلى إعادة التفكير جذريًا في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع العلاقات الدولية، إذ لا يمكن كسب الأصدقاء من خلال العنف.

الصين كحليف بديل لمصر
في سياق تقليص المعونات الأمريكية واتخاذ شكل جديد من الدبلوماسية الأمريكية التي لم يظهر كل معالمها حتى الآن، يتصاعد ظهور الصين في المقابل، وهو ما قد يؤدي لاستغلال الصين للوضع الدبلوماسي الأمريكي الجديد لأخذ مكاسب أكبر ونفوذ عالمي أوسع من خلال دبلوماسيتها ونفوذها الناعم.
من الجدير بالذكر أن الصين أصبحت واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لمصر، فقد استثمرت الشركات الصينية مليارات الدولارات في مشروعات البنية التحتية، كما زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل ملحوظ.
بلغت الاستثمارات الصينية في مصر حوالي 28.5 مليار دولار بين عامي 2018 و 2019، مما جعلها أكبر متلقي للاستثمارات الصينية في العالم العربي، كما أصبحت الصين رابع أكبر دائن لمصر، إذ بلغت الديون المستحقة حوالي 8 مليارات دولار. كما وقعت مصر والصين اتفاقية شراكة استراتيجية في عام 2014، تلاها توقيع 21 اتفاقية إضافية في عام 2016، بما في ذلك استثمارات صينية بقيمة 15 مليار دولار في مشروعات مختلفة.
تتركز الاستثمارات الصينية في المشاريع الصناعية بنسبة 55%، وفي البناء بنسبة 20%، وفي الخدمات بنسبة 12%، فيما تعتبر منطقة قناة السويس الاقتصادية ذات أهمية إستراتيجية للصين، حيث جذبت أكثر من 140 شركة باستثمارات تزيد عن 1.6 مليار دولار بحلول يوليو 2023. كما تعد الصين هي أكبر مُصدِّر لمصر، حيث بلغت الواردات 17.2 مليار دولار في عام 2022.
وتتحول الاستثمارات الصينية في مصر من التركيز على المقاولات والبنية التحتية إلى التصنيع، وهو ما جعل عملاق تصنيع الهواتف الصينية VIVO إنتاج أجهزتها في مصنع جديد بالقرب من القاهرة، كما تستثمر شركة OPPO أيضًا في بناء مصنع لإنتاج الهواتف في مصر. كذلك، تسعى الصين من خلال برامج تدريب واسعة النطاق إلى تدريب جيل جديد من الإداريين المصريين.

وفي مجال الطاقة المتجددة أحد أكبر القطاعات النامية، حيث تهدف مصر أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة 42% من شبكة الكهرباء في البلاد بحلول عام 2035، وفي هذا السياق وقعت الحكومة المصرية مذكرة تفاهم مع شركة صينية لتطوير مشروعات الطاقة الشمسية بقدرة 10 جيجاوات، كما وقعت مصر اتفاقيات بقيمة 15.6 مليار دولار مع شركاء صينيين لمشاريع الهيدروجين الأخضر والتصنيع في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
مع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف تنوي مصر الاستفادة من مبادرة الحزام والطريق أو تحديد أولوياتها في هذا التحالف، لكن مع تزايد ديون القاهرة لبكين، ستكون هذه العلاقة ذات أهمية متزايدة. وبما أن مصر تمثل 35% من تجارة الصين مع شمال إفريقيا، فهذا يمنحها فرصة محتملة للقيادة الإقليمية مع بكين، مع هبوط النفوذ الأمريكي الدبلوماسي المتوقع في حال وجود فراغ أمريكي.
ومن اللافت أيضًا توسع النفوذ الصيني ليشمل المجال الثقافي والإعلامي، إذ أصبحت بعض وسائل الإعلام المصرية “منصات للدعاية الصينية” التي تتجنب الحديث عن انتهاكات الصين لحقوق الإنسان ضد الإيجور المسلمين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد لتعتقل السلطات المصرية عددًا من طلاب الأويجور في مصر مما جعل منظمات حقوق الإنسان الدولية تناشد السلطات المصرية عدم تسليمهم إلى الصين.
المصادر:
https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/2025/01/reevaluating-and-realigning-united-states-foreign-aid/
https://egypioneers.mohesr.gov.eg/
https://www.msn.com/en-ae/news/other/from-uncertainty-to-resolution-how-egypt-addressed-the-usaid-scholarship-suspension/ar-AA1y4kpS
https://www.universityworldnews.com/post.php?story=20250205163734812
https://enterprise.news/egypt/en/news/story/3030a7c3-78be-4347-a32c-88d210abf916/usaid%25e2%2580%2599s-pullback-from-egypt-puts-employees-and-programs-at-risk
https://www.bbc.com/news/articles/cx2q13113wwo
https://abcnews.go.com/Politics/trump-calls-usaid-tremendous-fraud-wife-daughter-promoted/story?id=118547473
https://www.cgdev.org/blog/white-house-demonstrates-usaids-efficiency
https://afsc.org/news/shutting-down-usaid-makes-us-less-safe
https://arabcenterdc.org/resource/egypts-strategic-partnership-with-china-opportunities-and-implications/
https://www.chathamhouse.org/2021/02/egyptian-exceptionalism-chinese-led-world
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/growth-chinese-influence-egypt-signs-and-consequences