لماذا لا ينخفض الدين المصري رغم السداد؟

رغم إعلان الحكومة المصرية عن سداد مبالغ كبيرة من الديون خلال 2024 و2025، إلا أن الدين العام لم ينخفض بشكل ملموس، بل استمر في الارتفاع في بعض الحالات. وفقًا لأحدث البيانات، سددت مصر حوالي 21.31 مليار دولار من أقساط وفوائد ديونها الخارجية خلال النصف الأول من العام المالي 2024/2025، وحوالي 38.7 مليار دولار خلال عام 2024 كاملًا.

مع ذلك، فإن الدين الخارجي لم يتراجع إلا بشكل طفيف من 155.20 مليار دولار إلى 155.09 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام المالي 2024/2025، وهو تراجع محدود جداً مقارنة بحجم المبالغ المسددة.

1. الاقتراض الجديد لسداد القروض القديمةأحد أهم الأسباب وراء عدم انخفاض الدين هو استمرار مصر في الحصول على قروض جديدة لسداد الالتزامات المستحقة. وافق مجلس النواب مؤخرًا على حصول وزارة المالية على قروض جديدة بقيمة 3 مليارات دولار من بنوك إقليمية والاتحاد الأوروبي. كما تحصل مصر على تمويلات جديدة من صندوق النقد الدولي ضمن برنامج قرض بقيمة 8 مليارات دولار.

هذا النهج يعني أن الحكومة تستخدم ديونًا جديدة لسداد ديون قديمة، مما يبقي إجمالي الدين ثابتًا أو يزيد منه في بعض الأحيان.

2. أعباء الفوائد المرتفعةتشكل فوائد الدين عبئًا هائلًا على الموازنة المصرية، حيث ارتفع عبء فوائد الدين بنسبة 32.5% خلال أول 10 أشهر من العام المالي الجاري 2024-2025 ليصل إلى 1.657 تريليون جنيه. وتستهلك خدمة الدين حوالي 84% من إجمالي إيرادات مصر، مما يعني أن الجزء الأكبر من عمليات السداد يذهب للفوائد وليس لأصل الدين.

في موازنة العام المالي المقبل 2025-2026، من المتوقع أن تلتهم فوائد الدين حوالي 74% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، مما يجعل تخفيض أصل الدين مهمة صعبة للغاية.

3. تأثير تقلبات أسعار الصرفأثر تقلب سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار على قيمة الدين المقوم بالعملات الأجنبية. فبينما يتم السداد بالدولار، فإن انخفاض قيمة الجنيه يزيد من العبء المحلي للدين الخارجي المقوم بالدولار. حاليًا، يتداول الدولار عند حوالي 49.5 جنيه.

4. استراتيجية إطالة آجال الدينتتبع وزارة المالية المصرية منذ عقود استراتيجية تعتمد على إطالة أمد الدين، حيث سيتم سداد هذه الديون على فترة طويلة تصل حتى عام 2070. هذا النهج يعني أن معظم عمليات السداد الحالية تذهب لتجديد الديون بدلًا من تخفيضها.

5. الحاجة المستمرة للتمويلتواجه مصر جدولًا مزدحمًا لسداد الديون، حيث من المتوقع أن تسدد حوالي 22 مليار دولار خدمة دين خلال عام 2025. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن مصر مطالبة بسداد 43.2 مليار دولار التزامات خارجية خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025.

هيكل الدين المصري الحالي

الدين الخارجي

  • الديون طويلة الأجل: 124.10 مليار دولار.
  • الديون قصيرة الأجل: 30.99 مليار دولار.
  • الدين الحكومي الخارجي: 79.20 مليار دولار.

الدين المحلي

  • بلغ حوالي 9.515 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2024.
  • الديون قصيرة الأجل تمثل 72% من إجمالي الدين المحلي.

التحديات المستقبليةتشير التوقعات إلى أن مصر ستواجه تحديات مستمرة في إدارة الدين، خاصة مع:

  1. ارتفاع تكلفة الاقتراض العالمي بسبب أسعار الفائدة المرتفعة دوليًا.
  2. انخفاض موارد النقد الأجنبي من قناة السويس والسياحة بسبب التوترات الحرب على غزة، والتوترات الجيوسياسية في المنطقة.
  3. الحاجة المستمرة للتمويل الخارجي لسد فجوة ميزان المدفوعات.

رغم الجهود الحكومية لسداد أجزاء من الدين، تكشف البيانات الأحدث أن مصر تواجه تحديًا غير مسبوق في إدارة التزاماتها المالية خلال العامين المقبلين، إذ تتضارب تقديرات الديون المستحقة بين 43 و55 مليار دولار لعام 2025 وحده، مع توقعات بسداد 55 مليار دولار قروضًا وفوائد حتى نهاية 2026، وهو أكبر مبلغ مطلوب سداده في تاريخ البلاد الحديث.

الأخطر أن الحكومة المصرية تتجه، ضمن استراتيجياتها، إلى بيع أصول الدولة ورفع أسعار الوقود والكهرباء عدة مرات خلال العام المالي الجديد، مع خطط لرفع الدعم نهائيًا عن الوقود بنهاية 2026، ما ينذر بموجات غلاء جديدة قد تمس حياة ملايين المواطنين مباشرة.

في الوقت ذاته، كشفت وزارة المالية عن رفع مستهدف الاقتراض الخارجي في موازنة 2025/2026 إلى 8 مليارات دولار، أي أكثر من ضعف العام المالي الحالي، بالتوازي مع إصدار سندات دولارية لأول مرة منذ عامين، والاعتماد على تحويل ودائع خليجية إلى استثمارات عبر بيع أصول سيادية.

أما على صعيد الاستدامة المالية، فقد بلغت نسبة فوائد الدين إلى الدخل الضريبي نحو 87%، أي أن كل 9 جنيهات من كل 10 جنيهات ضرائب تُحصّلها الدولة تذهب فقط لسداد الفوائد، بينما يمثل عبء الدين (أقساط وفوائد) 65% من إجمالي استخدامات الموازنة، ما يترك هامشًا ضئيلًا للإنفاق على الصحة والتعليم والخدمات الأساسية.

وأمام هذا الواقع، تتوقع الحكومة أن تبدأ أعباء السداد في التراجع النسبي بداية من العام المالي 2026/2027، معوّلة على تحسن النشاط الاقتصادي وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، غير أن الوفاء بهذه الالتزامات الضخمة يتطلب تدفقات غير مسبوقة من الاستثمارات أو قروض جديدة، ما يضع السيادة الاقتصادية للدولة أمام اختبار حقيقي غير مسبوق في تاريخها الحديث.

المصادر :

خبراء: سداد مصر 21.3 مليار دولار من الديون الخارجية يعزز ثقة المستثمرين
تضارب أرقام ديون مصر المستحقة في 2025: 43 أم 55 مليار دولار؟
البنك المركزي: تراجع الدين الخارجي لمصر بنحو 111 مليون دولار خلال الربع الثاني من 2024/2025
موافقة جديدة على قروض بـ 3 مليارات دولار لمصر.. ماذا نعرف؟
عبء خدمة الدين يلتهم 84% من إجمالي إيرادات مصر في 10 أشهر
قفزة 25%.. عبء فوائد الدين يلتهم 74% من إيرادات موازنة مصر العام المالي المقبل
خبير اقتصادي: الديون المصرية تتراجع رقميًا وتتصاعد واقعيًا وارتفاع الفوائد
USDT إلى EGP المحول والآلة الحاسبة
الدين الخارجي.. لماذا يؤرق المصريين؟
الفائدة وأقساط الدين وقروض جديدة.. أهم الأحداث الاقتصادية المرتقبة في 2025
مصر في فخ الديون.. أي مستقبل للتنمية؟
البنك الدولى: 43.2 مليار دولار تسددها مصر حتى سبتمبر 2025
المشهد المصري عدد 18 أبريل 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *