ماذا يعني تعاقد هيئة قناة السويس الجديد مع موانئ أبوظبي بالنسبة لإسرائيل؟

في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتراجع غير مسبوق في مساحات الشفافية والمساءلة الشعبية، أعلنت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن توقيع اتفاق مع مجموعة موانئ أبوظبي لإنشاء منطقة صناعية ولوجستية متكاملة، تحت شعار جذب الاستثمارات وتعزيز البنية التحتية. لكن خلف هذه العناوين المطمئنة، يطرح المراقبون تساؤلات حول طبيعة هذه الشراكة: هل هي خطوة حقيقية نحو التنمية، أم أنها امتداد لمسار تسليم إدارة الموانئ المصرية لأطراف خارجية؟ فالاتفاق الأخير يأتي ضمن سلسلة من التوسعات الإماراتية في الموانئ المصرية، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا، خاصة في ظل غياب الرقابة البرلمانية وغياب الشفافية عن تفاصيل هذه الصفقات.

ما يفاقم المخاوف أن مجموعة موانئ أبوظبي ليست كيانًا اقتصاديًا محايدًا، بل ترتبط بشكل مباشر باستثمارات في الموانئ الإسرائيلية، لا سيما صفقة تشغيلها لميناء حيفا. هذه العلاقة تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مدى ملاءمة تسليم مفاصل حيوية من السيادة الوطنية لشركةٍ تحمل تقاطعات مصالح مع طرف لا يزال في قلب حرب إبادة تسببت في أزمة إقليمية مزمنة.

في نظر الكثيرين، لم تعد القضية تتعلق بعوائد اقتصادية أو تحسين للخدمات، بل باتت تمس الأمن القومي لمصر، وتهدد بفرض واقع جديد من “التدويل الناعم” للبنية التحتية السيادية، في وقتٍ تزداد فيه هشاشة القرار الوطني بفعل الأزمات المتلاحقة.

شرايين اقتصادية تتحول إلى أصول مدارة خارجيًا

مشروع “كيزاد شرق بورسعيد”، الذي تم توقيع اتفاقيته خلال هذا الشهر يتجه نحو نقل مزيد من مفاصل الاقتصاد الوطني إلى أطراف خارجية، فعلى الرغم من الترويج للمشروع كرافعة تنموية تهدف إلى تطوير منطقة صناعية ولوجستية بمساحة 20 كيلومترًا مربعًا عند المدخل الشمالي لقناة السويس، فإن الأرقام والتفاصيل التي كُشف عنها تطرح علامات استفهام حول جدوى هذه “الشراكة” ومدى تحقيقها لمصالح مصر الاقتصادية.

الاتفاقية الموقّعة لمدة 50 عامًا بنظام حق الانتفاع، قابلة للتجديد، تمنح مجموعة موانئ أبوظبي مساحات واسعة من السيطرة على واحدة من أهم المواقع الجغرافية في البلاد. ورغم أن الاستثمار المبدئي المعلن لا يتجاوز 120 مليون دولار لتطوير المرحلة الأولى، فإن تقارير إعلامية أفادت بأن 85% من العائدات ستؤول إلى الطرف الإماراتي، ما يعمّق الشكوك حول حقيقة المكاسب التي ستجنيها مصر فعليًا من هذا المشروع.

لا تتوقف مظاهر التوسع الإماراتي عند المشاريع الصناعية والموانئ التجارية فحسب، بل تمتد أيضًا إلى قطاع السياحة البحرية، حيث تم توقيع اتفاقيات امتياز لإدارة وتشغيل محطات مخصصة للسفن السياحية في موانئ سفاجا والغردقة والعين السخنة وشرم الشيخ لتنشيط السياحة على سواحل البحر الأحمر. ولأن السياحة البحرية تُعد قطاعًا واعدًا، فإن تسليم إدارة هذه المحطات لشركات أجنبية يفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على الحفاظ على سيادتها التشغيلية.

يترافق ذلك مع تحركات أكثر عمقًا في البنية البحرية المصرية، تمثلت في استحواذ مجموعة موانئ أبوظبي على شركات مصرية فاعلة في قطاع النقل البحري واللوجستيات مثل “ترانسمار” و”تي سي آي” و”سفينة”، وهم شركات مصرية تعمل في قطاع النقل البحري والخدمات اللوجستية تتركز عملياتها في البحر الأحمر.

بجانب ذلك،تمتلك الإمارات حصة كبيرة في ميناء العين السخنة، الواقع جنوب قناة السويس، ما يمنحها موطئ قدم ثابت في أحد أهم الموانئ الاستراتيجية على البحر الأحمر.ومع دخولها إلىميناءبورسعيد، تصبح السيطرة الإماراتية ذات طابع مزدوج يطوّق شريانيالدخول والخروج من القناة.الموانئ المصرية، التي لطالما شكّلت شراييناقتصادية حيوية للاقتصاد المصري، باتت تُدار تدريجيًا من قبل أطراف خارجية تمتلك القرار والتشغيل.

من بورسعيد إلى العين السخنة: كيف تطوق الإمارات قناة السويس؟

من خلال البحث الجغرافي باستخدام أدوات geolocation، يتبين أن تموضع موانئ أبوظبي حول قناة السويس يتخذ طابعًا شبه إحاطي. هذا الانتشار الجغرافي حول هذه المنطقة يطرح سيناريوهات لا تُحصر لأغراض ليست تجارية فقط، بل تشمل احتمالات أمنية وعسكرية ترتبط بشكل مباشر بالعلاقة المتنامية بين الإمارات وإسرائيل. وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل يُمكن لمصر أن تظل صاحبة اليد العليا على ممر بحري بحجم قناة السويس، في ظل تطويق استثماري خارجي محكم؟

عن طريق تحليل نمط استحواذ الإمارات على الموانئ المصرية، يتضح التركيز على موانئ البحر الأحمر، بدءًا من العين السخنة، مرورًا بسفاجا، ووصولًا إلى الغردقة وشرم الشيخ. هذا يعكس أهمية البحر الأحمر كشريان تجاري حيوي يربط آسيا بأوروبا عبر قناة السويس، والذي ظهرت أهميته بشكل جلي بعد الحرب على غزة، والذي تتضاعف أهميته بسبب مشروع الحزام والطريق الصيني. السيطرة على هذه الموانئ تمنح الإمارات نفوذًا كبيرًا على حركة التجارة العالمية، وتؤثر على الأمن الاقتصادي والتجاري لمصر.

بالنظر إلى الموانئ المصرية الكبرى التي تقع على البحر الأحمر، لم يتبقى إلا ميناء السويس(بورتوفيق)، الذي يقع على المدخل الجنوبي للقناةمباشرة، ويستقبل حجمًا كبيرًا من البضائع المتجهة إلى مصر والمنطقة، والذي سبق وأنتفاوضت الإمارات على إدارته بالفعل مع الحكومة المصرية.

السيطرة على الموانئ تعني التحكم في البنية التحتية الحيوية التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري عبر القناة والبحر الأحمر بأكمله.كما أن الشركات الإماراتية قد تتخذ قرارات تشغيلية تخدم مصالحها على حساب المصالح المصرية.بجانب ذلك، ستساعد تلك الموانئ إمكانية انطلاق أنشطة تجسسية لصالح الإمارات مما يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر ويخدم مصلحة شريك الامارات الاستراتيجي؛ الاحتلال الإسرائيلي.

العلاقة بين إسرائيل وموانئ أبو ظبي

تتعزز العلاقة بين موانئ أبوظبي وإسرائيل بشكل متسارع منذ توقيع “اتفاقيات إبراهيم” عام 2020، حيث أصبحت هذه الاتفاقيات أرضية مشتركة لتوسيع التعاون التجاري والاستثماري بين الطرفين.

من أبرز أوجه هذا التعاون مذكرة التفاهم الموقّعة بين موانئ أبوظبي واتحاد أرباب الصناعة الإسرائيلي، التي تهدف لتسهيل دخول الشركات الإسرائيلية إلى مناطق استراتيجية مثل مدينة خليفة الصناعية ومنطقة “زونزكورب”. ومع امتلاك الإمارات لاتفاقيات تجارة حرة واسعة مع إسرائيل، حصلت تل أبيب على نافذة قوية تُمكنها من الوصول إلى أكثر من 100 سوق إقليمي ودولي، عبر مظلة إماراتية تمنحها نفوذًا تجاريًا غير مسبوق.

لا يقتصر التعاون على خطوط النقل البحرية، بل تجاوز ذلك إلى تدشين “خط بري” تجاري يربط ميناء جبل علي في دبي بإسرائيل، مرورًا بالأردن والسعودية، كبديل عن الممر البحري التقليدي عبر البحر الأحمر. هذا الخط الذي يعمل بكفاءة منذ إطلاقه، لا يعبّر فقط عن تعاون لوجستي، بل يجسّد شراكة استراتيجية ترسم مسارات بديلة لحركة التجارة الإقليمية، حيث أنه يتجاوز البحر الأحمر ويستفيد من التوترات الأمنية في الممر البحري، ويقدم بديلًا مغريًا لكثير من الشركات العالمية الباحثة عن استقرار وفعالية في حركة الشحن.

مع وجود هذا الممر، تزداد المخاوف من تقليص الاعتماد على قناة السويس كممر تجاري عالمي، خاصة مع تمدد موانئ أبوظبي داخل الجغرافيا المصرية، مما ينذر بتغيرات جوهرية في موازين التجارة والنفوذ. في هذا السياق، تسعى إسرائيل إلى تعزيز التكامل بين ميناء حيفا، الذي تديره شركة إماراتية، ومجمل المنظومة اللوجستية الخليجية، عبر مشاريع تربطها بالأردن والسعودية والإمارات.

هذا الربط الجغرافي – السياسي يُترجم عمليًا بتكوين شبكة متكاملة من الموانئ والمراكز التجارية التي تتصل بمنطقة قناة السويس، لا لمنافستها، بل لتكامل يخدم مصالح إسرائيل بشكل مباشر. وهنا تبرز خطورة تمركز الإمارات في ميناء شرق بورسعيد، كونه يمنح الطرف الإسرائيلي منفذًا استراتيجيًا إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط دون الحاجة للمرور عبر أطراف ثالثة.

ما يزيد من حساسية هذا الأمر، أن العلاقة بين الإمارات وإسرائيل لم تعد حكرًا على الشراكة الاقتصادية، بل دخلت في مستويات تنسيق أمني وتقني وعسكري، من تبادل معلومات استخباراتية إلى التعاون في مجالات السايبر والتكنولوجيا المتقدمة.

يمتد ذلك إلى أمن الطاقة أيضًا، حيث أن ميناء شرق بورسعيد لا يتميز بقربه من قناة السويس فقط، بل أيضًا بجواره لمنشآت الغاز المسال ومصادر الطاقة المصرية. وبالنظر إلى أن إسرائيل تصدر غازها إلى مصر ليُسال ثم يُعاد تصديره إلى أوروبا، فإن إقامة مركز صناعي إماراتي في هذه المنطقة قد يسهم في تقديم تسهيلات لوجستية لمشاريع ترانزيت الغاز الإسرائيلي أو حتى استغلاله في صناعات بتروكيماوية إماراتية.

هذه المعادلة تثير مخاوف حقيقية من أن يتحول شرق المتوسط إلى ساحة نفوذ مشترك، تُعاد فيها صياغة المصالح بعيدًا عن الاعتبارات الوطنية المصرية.

المصادر:

اجتماعات البنك الآسيوي للاستثمار فى البنية التحتية
رئيس الوزراء يلقي كلمة على هامش توقيع اتفاقية بين اقتصادية قناة السويس ومجموعة موانئ أبو ظبي
AD Ports finalizes agreement to develop new terminal at Egypt’s Safaga Port
Egypt signs deal with UAE’s AD Ports to set up logistics zone
Egypt partners with Abu Dhabi Ports Group to develop Alexandria Port logistics area
موانئ أبوظبي توقع اتفاقية تعاون مع اتحاد الصناعة الإسرائيلي


One thought on “ماذا يعني تعاقد هيئة قناة السويس الجديد مع موانئ أبوظبي بالنسبة لإسرائيل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *