مصر بين عراقيل للقافلة الإنسانية وتسهيلات للسياحة الإسرائيلية

في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتصاعد موجات الغضب الشعبي على المستويين العربي والدولي جرّاء الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، انطلقت من تونس “قافلة الصمود” المغاربية، عابرةً الأراضي الليبية، وعلى متنها مئات المتطوعين والمساعدات الإنسانية، في مسعى لكسر الحصار المفروض على غزة وتأكيد التضامن مع الشعب الفلسطيني.

ورغم أن القافلة ضمت نشطاء من مختلف دول المغرب العربي إضافةً إلى متضامنين أوروبيين، وتمكن عدد كبير منهم من الحصول على تأشيرات دخول رسمية، اصطدمت القافلة بعراقيل أمنية صارمة عند وصولها إلى الأراضي المصرية؛ إذ أوقفت السلطات عشرات المشاركين في محافظة الإسماعيلية، وصادرت جوازات سفر بعضهم، ما حال دون إتمام رحلتهم باتجاه معبر رفح الحدودي.

تتجلى هنا مفارقة واضحة في الموقف الرسمي المصري؛ فمن جهة تُغلَق الأبواب أمام شباب عرب ومتضامنين دوليين يسعون لمؤازرة الفلسطينيين ودعمهم، ومن جهة أخرى يُسمح لمواطني الدولة المعتدية، المُدانة من قِبل جهات حقوقية ودولية بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، بالتنقل داخل مصر دون قيود تُذكر. هذه الازدواجية تطرح تساؤلات حول دور مصر في التضييق على الفلسطنيين والتضييق على غزة.

وفي هذا التحقيق نسلط الضوء على بعض الحالات الموثقة التي رصدتها “تقصي” لسياح إسرائيليين سُمح لهم بدخول مصر والتنقل بحرية في أوج الحرب، بل ووُفِّرت لهم في بعض الأحيان حراسة خاصة لحمايتهم!

مصر تؤمن حراسة لسائحة إسرائيلية بعد أسبوعين من الحرب على غزة

في مايو 2024، نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل تقريرًا بعنوان “سيناء: الجنة المفقودة التي كانت تعجّ بالسياح الإسرائيليين وأصبحت خاوية في ظل حرب غزة”، تناولت فيه أوضاع السياحة الإسرائيلية في سيناء بعد السابع من أكتوبر. استعرض التقرير تجربة بعض الإسرائيليين الذين يزورون سيناء رغم الأوضاع الأمنية، واصفًا زيارتهم بأنها استعادة لصورة سيناء القديمة كما عرفوها سابقًا.

يسلط التقرير الضوء على قصة لي شاي كاتس، التي اعتادت السفر إلى سيناء منذ عام 2015 بحثًا عن “الهدوء والسكينة والبساطة”، كما تقول. وقد توطدت علاقتها بأصحاب المخيمات المصرية على شاطئ طابا حتى أصبحوا من أصدقائها على “فيسبوك”.

المثير في قصة “لي” ليس فقط تكرار زياراتها لمواقع متعددة في سيناء رغم حرب الإبادة في غزة، بل أنها زارتها بعد أسبوعين فقط من اندلاع الحرب! وفي تلك الرحلة، حظيت بمرافقة أمنية خاصة عبر سيارات شرطة رافقتها من معبر طابا إلى المخيم الذي قضت فيه عطلتها على الشاطئ.

وبحسب التقرير، فقد قامت “لي” بزيارة سيناء نحو ست مرات منذ بداية الحرب وحتى تاريخ نشر التقرير في مايو 2024. أوضحت أنها اعتادت القيام برحلات قصيرة مدتها بين أربعة وخمسة أيام، مؤكدة في حديثها: “تعبت من تكرار التوضيح لأصدقائي الإسرائيليين بأن بدو سيناء ليسوا حماس، وأن مصر تقف معنا ضدهم”، في إشارة إلى المخاوف التي كان يبديها معارفها حيال رحلاتها المتكررة إلى المنطقة.

عندما طُرِح على “لي” سؤال حول كيف يمكنها اعتبار سيناء ملاذًا آمنًا وهي جزء من دولة يراها البعض غير مستقرة أمنيًا، أوضحت رؤيتها مشيرةً إلى انتشار نقاط التفتيش العسكرية في معظم الطرق والمناطق. وأكدت أن الفلسطينيين الذين تمكنوا من مغادرة غزة إلى سيناء دفعوا مبالغ طائلة مقابل السماح لهم بالفرار من منطقة حرب، وبالتالي من غير المنطقي – في رأيها – أن يخاطروا بحياتهم مرة أخرى لتنفيذ هجوم عشوائي ضد إسرائيليين.

وترى “لي” أن الخطر الوحيد المحتمل قد يكون من مصري يحمل سلاحًا، لكنها استدركت موضحةً أنها لا تشعر بالقلق حيال ذلك لأنها تثق في قدرات الجيش المصري وإجراءاته الأمنية.

السلطات تحقق بحزم في منع منتجع استضافة سائح إسرائيلي

كشفت إحدى الصحف الإسرائيلية عن حالة من الاستياء انتابت أحد السياح الإسرائيليين المنتظمين على زيارة مصر، ويدعى يهودا، البالغ من العمر 38 عامًا، والذي اعتاد منذ نحو عقد من الزمن قضاء إجازاته في سيناء. وأوضح يهودا أنه تلقى رسالة إلكترونية من منتجع “روكسي” في سيناء — الذي دأب على الإقامة فيه — تفيد برفض استقباله بعد السابع من أكتوبر، حرصًا على سلامته في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة، مع التأكيد على ترحيبهم به مستقبلًا.

هذا الموقف أثار ردود فعل غاضبة من يهودا وبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي اعتبرته تصرفًا ينطوي على معاداة للسامية وتمييزًا ضد الإسرائيليين. وأعرب يهودا عن دهشته من هذا الإجراء، مؤكدًا أنه يعرف طاقم المنتجع جيدًا ويتمتع بعلاقة طيبة مع مالكة الفندق، مما جعل الأمر مفاجئًا له.

من جانبها، باشرت السلطات المصرية تحقيقًا رسميًا في هذه الواقعة التي لاقت صدى في الأوساط الإسرائيلية؛ إذ أعلن محمد عامر، رئيس الإدارة المركزية للمنشآت الفندقية والأنشطة السياحية، أن الوزارة فتحت تحقيقًا لكشف ملابسات ما جرى، مشددًا على ضرورة فصل السياسة عن النشاط السياحي، وأن أي منشأة تخالف ذلك قد تتعرض لعقوبات تصل إلى إلغاء الترخيص. وأكد عامر أن الإجراءات القانونية قد تم اتخاذها بحق منتجع “روكسي” محل الواقعة.

المزارات اليهودية حاضرة في سياحة الإسرائيليين لمصر

على غرار قصتي كاتس ويهودا، رصدت “تقصي” نماذج أخرى من الإسرائيليين الذين زاروا مصر مؤخرًا، من بينهم شاب يُدعى بندكت وولف، وهو إسرائيلي من أصل ألماني. يحكي وولف عن زيارته لمصر هذا الشهر، موضحًا أنه استغل فرصة وجوده في إسرائيل لأغراض تدريبية في مجال التقنية ليقوم برحلة قصيرة إلى سيناء، رغم التحذيرات، حسب روايته.

يستعرض وولف تفاصيل تفاعله مع السائقين وحراس الأمن وموظفي الفندق ومدربي الغوص الذين كانوا يبدون له ترحيبًا عندما يعرف نفسه كألماني، متجنبًا الإشارة إلى جنسيته الإسرائيلية أو الحديث في السياسة. ولاحظ أن بدء حديثه بعبارة “السلام عليكم” بدلاً من “أهلًا” كان يقلل من توتر من يتعامل معهم.

ظن وولف أن هذه الاحتياطات كافية لتجنب الحرج، لكن المفاجأة كانت في رد فعل مدرب الغوص الذي بدا مصدومًا عندما علم برغبته في العودة من دهب إلى طابا ومنها إلى إسرائيل. يروي وولف أيضًا بعض المواقف المرتبطة بالإجراءات الحدودية البيروقراطية، ويختم قصته بقوله: “أعتقد أن العلم الكبير لـ”فلسطين الحرة” المرفوع فوق متجر فاكهة في أحد شوارع دهب، مقابل اللافتة التي تقول عند معبر طابا: “وداعًا، نأمل أن نراك مرة أخرى”، يلخصان رحلتي بدقة تامة”.

أما القصة التالية فهي لشاب يُدعى أوهاد، الذي لم يكتفِ بزيارة سيناء كغيره من السياح الإسرائيليين، بل تجاوزها إلى عمق مصر وصولًا إلى القاهرة. أوهاد هو صانع محتوى على يوتيوب، ينشر فيديوهات عن تجاربه في السفر، وقد وثق رحلاته إلى مصر بعدة مقاطع منذ عام 2019، شملت نويبع وطابا وشرم الشيخ، وكرر نشر بعض تلك الفيديوهات في إبريل الماضي، مضيفًا إليها عناوين مثل: “هل يمكن تحقيق السلام مع العرب؟”.

في أحد المقاطع، ظهر وهو يلقّن أطفالًا مصريين كلمة “إسرائيل” مستغلًا عدم معرفتهم باللغة، لكنهم فرّوا هاربين بمجرد سماعهم الكلمة.

ومن أبرز محطات أوهاد في زيارته الأخيرة للقاهرة، تجوله في أحياء القاهرة القديمة وزيارته لمزار يهودي قديم وسط المدينة، إلى جانب مروره بشارع المعز وقلعة محمد علي وعدة معالم تاريخية أخرى.

رئيس شركة على علاقة بوحدة 8200 يتجول في محافظات مصر

في السياق نفسه، يظهر مواطن إسرائيلي يُدعى إيال موشيه الذي جاب أنحاء مصر من شمالها إلى جنوبها، مستمتعًا بزيارة العديد من الشواطئ والمنتجعات الواقعة على الساحل الشرقي في جنوب سيناء. وقد تكررت رحلات موشيه إلى مصر على مدى سنوات طويلة. شملت جولاته أماكن متعددة من طابا ونويبع وشرم الشيخ إلى الأقصر وأسوان، فضلًا عن مناطق داخل عمق القاهرة مثل مصر القديمة ووسط البلد وغيرها من المزارات.

بالبحث في خلفية هذه الشخصية، تبيّن أن إيال موشيه شغل سابقًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة إسرائيلية تُدعى هاب سكيورتي، وهي شركة مدرجة في بورصة ناسداك تأسست عام 2017 على يد أعضاء سابقين في وحدتي الاستخبارات الإسرائيلية 8200 و81.

تتخصص هذه الشركة في تأمين البيانات والمعلومات الحساسة، وتقديم حلول حوسبة مشفرة متطورة لحماية الشركات والمؤسسات من الاختراقات والهجمات المعادية. وتجدر الإشارة إلى أن من خلف موشيه في منصب الرئيس التنفيذي للشركة كان يشغل سابقًا رئاسة قسم الاتصالات الدفاعية السيبرانية في جيش الاحتلال الإسرائيلي.

تُبرز سهولة تحركات السياح الإسرائيليين داخل مصر حجم التناقض مع سياسات التضييق المفروضة على الفلسطينيين وقوافل التضامن مع غزة؛ إذ تُمنع قافلة الصمود وغيرها من التحركات الإنسانية من الوصول إلى غزة لوقف المجازر، في حين يُسمح لإسرائيليين بالتجوال بحرية في مختلف أنحاء البلاد. هذا التباين بين الواقع الفعلي والتصريحات الرسمية الداعية إلى دعم الفلسطينيين يكشف ازدواجية واضحة في التعامل مع القضية.

المصادر :

Paradise lost? Sinai, once teeming with Israeli tourists, is deserted amid Gaza war
Egyptian resort bars Israeli guest in Sinai citing ‘sensitive situation’
بينما تُقصف غزة وتُذبح العائلات.. مصر تُحاسب منتجعاً رفض إسرائيلياً

فندق في دهب يرفض استقبال سائح اسرائيلي.. والسلطات المصرية تحقق
אוהד הנווד – Ohad The Nomad
אפשר לעשות שלום עם ערבים?
אוהד הנווד | עושה את קהיר

One thought on “مصر بين عراقيل للقافلة الإنسانية وتسهيلات للسياحة الإسرائيلية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *