المثلث الحدودي: دور كتبية سبل السلام الليبية في إمداد الدعم السريع

يشهد المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان توترات متصاعدة تلقي بظلالها على الأمن الإقليمي، وتثير قلقًا مصريًا بشكل خاص نظرًا للارتباط المباشر لهذه المنطقة بأمنها القومي. وتتلخص آخر التطورات في سيطرة قوات الدعم السريع السودانية على كامل منطقة المثلث الحدودي بعد انسحاب الجيش السوداني منها، وما رافق ذلك من اتهامات متبادلة وتداعيات إنسانية وأمنية.

تعتبر منطقة المثلث منطقة حساسة للمراقبة والسيادة، وتشكل نقطة تلاقٍ حدودية يمكن استغلالها في أنشطة التهريب المختلفة كالبشر والسلاح والمخدرات. أي فوضى في هذه المنطقة تجعلها بيئة خصبة للتواترات وتدفق المهاجرين والأسلحة إلى داخل مصر.

تحتوي المنطقة على موارد طبيعية وثروات كالنفط والغاز والمعادن النادرة، بالإضافة إلى الذهب. السيطرة عليها تمنح نفوذًا اقتصاديًا وعسكريًا، حيث يمكن استخدامها لتأمين الدعم اللوجستي وتجارة الذهب.

الدعم السريع يسيطر، ومخاوف مصرية تتصاعد

في إطار التطورات الأخيرة، أكد الجيش السوداني إخلاءه للمنطقة، واصفًا ذلك بأنه يأتي في إطار ترتيبات دفاعية لصد ما وصفه بـ”العدوان”. واتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بتنفيذ الهجوم بدعم من مجموعات ليبية مسلحة تابعة لقوات خليفة حفتر، فيما نفت القيادة العامة لقوات حفتر هذه الاتهامات، معتبرة إياها محاولة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية والزج باسم ليبيا في الصراع.

أدت الاشتباكات وسيطرة قوات الدعم السريع إلى نزوح الآلاف من الأشخاص من منطقة المثلث، حيث عبر البعض إلى الأراضي السودانية والبعض الآخر إلى ليبيا. تحدث نازحون عن تعرضهم لاعتداءات ونهب لممتلكاتهم.

فيما أعتبرت القاهرة سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة تطورًا مقلقًا، خاصة مع الاتهامات الموجهة لها بالتعاون مع جهات خارجية. ويرى محللون مصريون أن هذه التطورات تعد “جرس إنذار خطير” ومؤشرًا على تفاقم الأوضاع واحتمال تمدد الحرب السودانية إلى دول الجوار، في الوقت الذي رُصد فيه وجود عسكري مصري كثيف في المنطقة الحدودية.

ويرى مسؤولون مصريون أن ما يحدث قد يكون محاولة لجر مصر إلى الحرب في السودان، وهو ما تؤكد السلطات أنها لن تنجر إليه، فيما قلل بعض الخبراء العسكريين المصريين من الأهمية الميدانية لسيطرة الدعم السريع على المثلث، معتبرين إياه “إنجازًا معنويًا” يهدف للتغطية على خسائر أخرى.

شرايين إمداد الدعم السريع

بالبحث والتقصي عن الطرق المؤدية لمنطقة المثلث وخلفية الأحداث، تبين أنه بعد سيطرة جماعات مسلحة متحالفة مع الجيش السوداني على نقطة الدخول البرية الرئيسية إلى ليبيا في المثلث الحدودي مع مصر والسودان في أكتوبر 2024، وإعادتهم للمهاجرين من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، تم قطع طريق الهروب الرئيسي. أصبح الطريق البديل عبر تشاد أطول وأكثر خطورة. حيث يسافر الكثيرون من الجنينة بولاية غرب دارفور، عبر حدود أدري، ثم إلى ليبيا عبر معبر كوري بوغودي.

كما أن عادة ما يستخدم المهربون نفس الطرق لكن الصحراوية، تكون عادة محفوفة بالمخاطر عبر منطقة دارفور السودانية إلى الأراضي الجنوبية الليبية. وتُعرف هذه الطرق بأنها سيئة السمعة لتهريب البشر وقطاع الطرق.

في المقابل، تستخدم قوات الدعم السريع منطقة المثلث الحدودي لتهريب الوقود والذخيرة والمركبات لقواتها في السودان، حيث تعتبر منطقة المثلث نقطة عبور رئيسية للتهريب.

الجهات الرئيسية المتورطة في هذه الشبكات

أفادت تقارير الأمم المتحدة في يناير 2024 أن ميليشيا متحالفة مع الجيش الوطني الليبي في المنطقة قد زودت قوات الدعم السريع بالوقود والمركبات والذخيرة، دون تحديد أسمها.

عملت “تقصي” للعثور على أسم هذه الميليشيا، ليظهر أسم “كتيبة سبل السلام” التي أشارت إليها تقارير سابقة للجان عقوبات الأمم المتحدة بشأن ليبيا والسودان المتورطة في عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى تسهيل إيصال الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع.

سيطرت هذه الكتيبة على المثلث الحدودي بين ليبيا ومصر والسودان منذ عام 2011، وتمكنت من الحفاظ على سيطرتها بسبب تحالفها مع حفتر الذي أدمج هذه الجماعة المسلحة في القوات البرية التي يقودها ابنه.

هذه الكتيبة وُصفت على أنها قوات إمداد لقوات الدعم السريع لتهريب الأسلحة والمرتزقة، بجانب التربح من التجارة غير المشروعة وتهريب البشر. في الوقت الذي تشير فيه تقارير أن ما لا يقل عن 25% من مقاتلي قوات الدعم السريع هم مرتزقة أجانب، يتم جلبهم إلى البلاد عبر الحدود الليبية تحت إشراف مباشر من حفتر بمعاونة الكتيبة.

كما أظهر البحث أنه بجانب كتبية سبل السلام وقوات الدعم السريع، توجد شبكات يديرها مهربون يتقاضون آلاف الدولارات لنقل الأفراد عبر منطقة المثلث أيضًا.

كيف أثرت سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث؟

كما ذكرنا من قبل، تستخدم قوات الدعم السريع سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي لتعزيز خطوط إمدادها القائمة بالفعل إلى غرب السودان عبر ليبيا. لقد استخدمت قوات الدعم السريع هذه المنطقة سابقًا لتهريب الوقود والذخيرة والمركبات، حيث أدى إغلاق نقاط العبور الرئيسية من قبل القوات المتحالفة مع الجيش السوداني إلى تحويل المهربين والأفراد إلى طرق بديلة وأكثر خطورة عبر تشاد.

توفر السيطرة على هذه المنطقة لقوات الدعم السريع إمكانية الوصول إلى عائدات التجارة وطرق إمداد بديلة من ليبيا. ومن الجدير بالذكر، أنه بينما أدت سيطرة الجيش السوداني على منطقة المثلث والمناطق الحدودية مع ليبيا ومصر في وقت سابق إلى عدم تأثير كبير على ديناميكيات التهريب التي ظلت قوية، إلا أن سيطرة قوات الدعم السريع الحالية تهدف إلى تأمين طرق إمداد حيوية لها، ما سيزيد من التوترات في تلك المنطقة.

المصادر:

“Nowhere feels safe”: Sudanese flee to Libya
UAE Fuels Regionalization of Sudan War; JNIM Expands Along Benin-Nigeria Border: Africa File, June 18, 2025
Sudan’s war reaches Egypt’s doorstep, sparks fears of wider regional conflict
الكنز الممنوع
الجيش السوداني يخلي المثلث الحدودي.. وقوات الدعم تعلن سيطرتها
ما سر الهجوم على “مثلث الحدود” السوداني المصري الليبي؟
آلاف النازحين يفرّون من المثلث الحدودي وتصاعد الاتهامات بين أطراف النزاع
مصر تتابع بقلق سيطرة “الدعم السريع” على المثلث الحدودي
مصر حريصة على تأمين حدودها الجنوبية الغربية دون التدخل في شئون الدول..
عسكريون مصريون يقللون من أحداث المثلث
تصريحات مثيرة لمسؤول مصري بشأن المثلث الحدودي

2 thoughts on “المثلث الحدودي: دور كتبية سبل السلام الليبية في إمداد الدعم السريع

اترك رداً على izdwozxwgm إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *