تحالف الغاز: كيف أصبحت مصر المنفذ الحيوي لصادرات إسرائيل في زمن الحرب؟

في صفقة وُصفت بالأضخم في تاريخ علاقات الطاقة بين البلدين، جرى مؤخراً تعديل جوهري على اتفاقية تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر، يتضمن زيادة كبيرة في الكميات الموردة وتمديداً زمنياً طويل الأمد. وفيما تؤكد الحكومة المصرية أن هذه الخطوة ضرورية لتلبية احتياجات السوق المحلية وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، تثير الصفقة جدلاً واسعاً ومخاوف من تزايد الاعتماد على الغاز الإسرائيلي.

تفاصيل الصفقة الجديدة

أعلنت شركة “نيو ميد إنرجي” (NewMed Energy)، وهي شريك رئيسي في حقل “لوثيان” الإسرائيلي للغاز، عن توقيع تعديل على الاتفاقية القائمة مع شركة “أوشن إنرجي” (Ocean Energy) المصرية. وبموجب هذا التعديل، ستقوم إسرائيل بتزويد مصر بكميات إضافية من الغاز تصل إلى 130 مليار متر مكعب تمتد حتى عام 2040، وبقيمة إجمالية قد تصل إلى 35 مليار دولار، مما يجعلها أكبر صفقة تصدير في تاريخ إسرائيل.

سيتم تنفيذ الاتفاق على مرحلتين:

  • المرحلة الأولى: تشمل توريد نحو 20 مليار متر مكعب (706 مليارات قدم مكعب) من الغاز فور دخول التعديل حيز التنفيذ.
  • المرحلة الثانية: تتضمن تصدير ما يصل إلى 110 مليارات متر مكعب (3.9 تريليون قدم مكعب)، وهي مرهونة باستثمارات وتوسعات في البنية التحتية لنقل الغاز.

ومن المقرر أن ترتفع كميات الغاز الإسرائيلي التي تستقبلها مصر تدريجياً، من 1.1 مليار قدم مكعب يومياً حالياً إلى 1.2 مليار قدم مكعب يومياً بدءاً من يناير المقبل، لتصل إلى ما بين 1.5 و1.6 مليار قدم مكعب يومياً بحلول نهاية عام 2026 ومطلع 2027.

الدوافع والأهداف المصرية

يأتي استيراد الغاز في وقت تواجه فيه مصر تحديات متزايدة لتلبية الطلب المحلي المتنامي على الطاقة، مع تراجع الإنتاج المحلي من حقول الغاز الطبيعي، بما في ذلك حقل ظهر. ويهدف الاتفاق إلى سد هذه الفجوة وتجنب انقطاعات التيار الكهربائي التي شهدتها البلاد. إلا أن ذلك ليس الغرض الوحيد من استيراد الغاز، إذ صرح مسؤولون مصريون بأن هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية أوسع لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، مستفيدة من بنيتها التحتية، خاصة محطتي الإسالة في إدكو ودمياط.

من الجانب الإسرائيلي، وُصفت الصفقة بأنها “تاريخية” و”استراتيجية”، فيما أكد وزير الطاقة الإسرائيلي أن الاتفاق يعزز مكانة إسرائيل كقوة إقليمية في مجال الطاقة، ويحقق عوائد مالية ضخمة لخزينة الدولة تقدر بمليارات الدولارات. كما يرى المسؤولون الإسرائيليون أن هذه الشراكة ترسخ التعاون الإقليمي وتفتح آفاقاً جديدة للتصدير. وعلى الرغم من المبررات الاقتصادية التي تقدمها الحكومة المصرية، أثارت الصفقة انتقادات ومخاوف واسعة في الأوساط المصرية.

كيف تدير مصر وإسرائيل علاقة طاقة استراتيجية في زمن الحرب؟

على عكس الاعتقاد الشائع بأن مصر هي المستورد الرئيسي للغاز من إسرائيل، فإن الواقع الحالي يشير إلى علاقة ذات اتجاهين، بل وتميل بشكل كبير إلى أن مصر هي رئة إسرائيل لتوصيل الغاز إلى باقي دول العالم، حيث تحتاج إسرائيل إلى منفذ لتصدير كميات الغاز الهائلة التي تستخرجها من حقليها العملاقين “لوثيان” (Leviathan) و”تمار” (Tamar)، لكنها تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتسييل الغاز (LNG) وشحنه إلى الأسواق العالمية، خاصة أوروبا. وهنا يأتي دور مصر.

ففي قلب شرق أوسط يشهد إبادة جماعية مروعة، وبعيدًا عن الخطابات السياسية الصاخبة، يمتد شريان طاقة صامت وحيوي تحت مياه البحر الأبيض المتوسط، يربط إسرائيل بمصر في علاقة اعتماد متبادل أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. فبينما يركز الكثيرون على شحنات النفط، فإن القصة الأهم تكمن في تجارة الغاز الطبيعي التي لا تعزز اقتصادات البلدين فحسب، بل تعيد تشكيل خريطة الطاقة الإقليمية وتكشف عن تورط عدة دول عربية وأجنبية تنادي بحقوق الفلسطينيين، حتى في ظل استمرار الحرب على غزة.

ففي إطار البحث عن بيانات ترسم خريطة التعاون بين مصر وإسرائيل في ملف الغاز، عثرت تقصي على قاعدة بيانات مفتوحة المصدر ترصد عمليات الشحن والتفريغ من وإلى إسرائيل عبر العديد من الدول وعلى رأسها مصر. تعتمد هذه الشراكة الاستراتيجية على بنية تحتية محددة تعمل كالتالي:

1- الاستخراج: تقوم شركة “شيفرون” (Chevron)، المشغل الرئيسي، باستخراج الغاز الطبيعي من حقلي لوثيان وتمار قبالة السواحل الإسرائيلية.

2- النقل عبر خط الأنابيب: يُضخ الغاز عبر شبكة أنابيب تحت سطح البحر إلى الساحل الإسرائيلي في عسقلان. ومن هناك، يتم إرساله عبر خط أنابيب شرق المتوسط (EMG)، وهو ممر حيوي يمتد تحت البحر ليربط عسقلان بمدينة العريش في شمال سيناء المصرية.

3- المعالجة والتسييل في مصر: بمجرد وصول الغاز الإسرائيلي إلى مصر، يتم توجيهه إلى محطتي الإسالة الرئيسيتين في البلاد: محطة إدكو ومحطة دمياط. هاتان المنشأتان، اللتان كانتا تعملان في السابق بأقل من طاقتهما، أصبحتا الآن مركزًا لمعالجة الغاز الإسرائيلي وتحويله من حالته الغازية إلى السائلة عبر تبريده إلى درجات حرارة منخفضة جداً.

4- التصدير العالمي: بعد عملية الإسالة، يتم تحميل الغاز الطبيعي المسال (LNG) على ناقلات متخصصة في موانئ إدكو ودمياط، ومن ثم يتم تصديره إلى الأسواق العالمية، وبشكل أساسي إلى أوروبا التي تسعى جاهدة لتنويع مصادر طاقتها بعيداً عن روسيا.

هذه الشراكة أصبحت حجر أساس استراتيجي بين البلدين حتى في أصعب الظروف. فبعد 7 أكتوبر، أوقفت إسرائيل الإنتاج مؤقتاً في حقل “تمار” الأقرب إلى غزة كإجراء أمني، مما أدى إلى انخفاض مؤقت في تدفق الغاز إلى مصر. وخلال حرب إيران وإسرائيل، تضرر حقل لوثيان مما أدى إلى وقوف العمل فيه، ومع ذلك، سرعان ما استؤنفت العمليات، بل إن البلدين وصلتا بسرعة إلى تمديد هذه الصفقة الأكبر حجماً في غضون أسابيع قليلة، لزيادة كميات الغاز المتدفقة من إسرائيل إلى مصر.

بالبحث، تبين أن للإمارات علاقة مالية مباشرة بالغاز الذي يصل إلى مصر. ففي عام 2021، استحوذ صندوق الثروة السيادي الإماراتي “مبادلة” على حصة 22% في حقل “تمار” الإسرائيلي للغاز البحري. جزء من إنتاج هذا الحقل يتم تصديره إلى مصر.

من ناحية أخرى، تبدي مصر قلقها من مشاورات إماراتية-إسرائيلية لتأسيس وحدة عائمة لتسييل الغاز بالقرب من الحقول الإسرائيلية، مما قد يسمح بتصدير الغاز الإسرائيلي مباشرة إلى أوروبا ويتجاوز محطات الإسالة المصرية، وهو ما يتعارض مع خطط مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة. وفي سياق متصل، تتواصل المباحثات لتعزيز التعاون في قطاع النفط والغاز بين مصر والإمارات.

تعاون في الجو أيضاً

في تناقض صارخ يعكس عدم حقيقة الادعاءات التي تطلقها السلطات المصرية، كشفت بيانات تتبع الطيران المفتوحة المصدر عن استخدام طائرات صهريج عسكرية إسرائيلية للمجال الجوي المصري في شهر يوليو 2025، في خطوة يُعتقد أنها حيوية لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

ظهرت هذه الأدلة لأول مرة في أواخر يوليو 2025، عندما نشر مراقبون ومحللون متخصصون في استخبارات المصادر المفتوحة، عبر منصات التواصل الاجتماعي، بيانات تتبع تُظهر طائرات صهريج تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية وهي تحلق في مسارات فوق الأراضي المصرية. هذه الطائرات، التي تعمل كـ “مضاعفات قوة”، ضرورية لتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود في الجو، مما يسمح لها بمهام قتالية أطول وأكثر كثافة فوق غزة.

في المقابل، نقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر أمني رفيع المستوى نفيه القاطع لهذه التقارير، مؤكداً على سيادة مصر الكاملة على مجالها الجوي. ويتماشى هذا النفي مع الموقف المصري الرسمي الذي يدين العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

تدفع القاهرة ثمنًا باهظًا على صعيد المصداقية. فبينما تدين إسرائيل علنًا، فإن أي تلميح بتسهيل عملياتها عسكريًا يضع الحكومة في موقف حرج أمام شعبها المؤيد بأغلبية ساحقة للقضية الفلسطينية. كما أنه يقوض دورها التاريخي كقائد للعالم العربي والمدافع الرئيسي عن الحقوق الفلسطينية، ويضر بهيبة ومعنويات مؤسستها العسكرية.

7 thoughts on “تحالف الغاز: كيف أصبحت مصر المنفذ الحيوي لصادرات إسرائيل في زمن الحرب؟

اترك رداً على mobiblogtv.love xâm hại trẻ em إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *