شراكة “بنيا” و”G42″ الإماراتية.. هل تخترق “إسرائيل” الأمن المعلوماتي المصري؟

في عصر تتشابك فيه خيوط الجغرافيا السياسية مع تعقيدات الحروب غير التقليدية، آخرها حرب إيران وإسرائيل، وتصبح فيه البيانات والمعلومات ساحة صراع لا تقل أهمية عن الميدان العسكري، تبرز الشراكات التكنولوجية كعامل حاسم في إعادة تشكيل موازين القوى والمصالح الإقليمية.

ضمن هذا السياق، تأتي الشراكة بين مجموعة “بنيا” (Benya Technologies) المصرية وشركة “جي 42” (G42) الإماراتية لتطرح تساؤلات حول أبعادها وتداعياتها المحتملة على الأمن المعلوماتي والسيادة الرقمية لمصر، خاصة في ظل ما يحيط بالطرف الإماراتي من ارتباطات مع شركات ومؤسسات إسرائيلية.

“بنيا”: اللاعب المحوري في البنية التحتية الرقمية المصرية

رسخت مجموعة “بنيا” المصرية، عبر شركاتها التابعة لها وعلى رأسها “بنيا تكنولوجيز”، مكانتها كفاعل رئيسي في مشروع التحول الرقمي المصري، ممتدةً بأنشطتها لتشمل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

تضطلع المجموعة بدور مركزي في تحديث البنية التحتية لمؤسسات الدولة، بدءًا من شبكات الاتصالات ومراكز البيانات العملاقة، وصولًا إلى الحوسبة السحابية وحلول الأمن السيبراني. هذا الانتشار الواسع يجعلها حجر زاوية في صياغة مستقبل الخدمات الرقمية في مصر.

بجانب ذلك، نفذت شركة “بنيا للهندسة” (Benya Engineering) مشاريع ضخمة في العاصمة الإدارية الجديدة، مثل تجهيز الحي الحكومي بشبكات اتصالات متطورة، ومد أكثر من 15 مليون متر من الكابلات النحاسية ومليون متر من كابلات الألياف الضوئية لتغطية ما يزيد عن 25 وزارة وهيئة حكومية. كما قامت بتنفيذ البنية التحتية لعدد من البنوك الكبرى والمباني الإدارية في الحي المالي.

وأعلنت “بنيا” عن خطط لإنشاء أكبر مراكز البيانات فائقة النطاق في أفريقيا والشرق الأوسط، بالتعاون مع شركات عالمية مثل سيمنز وسيسكو وديل، مما يعزز من قدرتها على تخزين ومعالجة كم هائل من البيانات الحكومية والمؤسسية.

كما تعاقدت الشركة على تركيب مئات الآلاف من عدادات المياه والكهرباء والغاز الذكية، بالإضافة إلى تركيب أبراج اتصالات تشاركية. ولم تتوقف الشركة عند هذا الحد، بل أمتد نشاطها لتتولى “بنيا للأنظمة” (Benya Systems) تنفيذ مشاريع التحول الرقمي في شركات قطاع الأعمال العام، مما منحها وصولًا إلى قواعد بيانات اقتصادية وإدارية حيوية داخل مصر، وهو ما أهلها لإطلاق ذراعها الاستثماري “بنيا فينتشرز” (Benya Ventures) برأس مال مقداره 50 مليون دولار لدعم الشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، مما يعزز من هيمنتها المستقبلية على قطاع التكنولوجيا.

هذا التغلغل العميق في مفاصل الدولة الرقمية، وإن كان يساهم في جهود التحديث، يثير حتمًا تساؤلات حول مدى تركز هذه الخدمات الحساسة في يد جهة واحدة، وما قد يترتب على ذلك من مخاطر تتعلق بالاحتكار والأمن السيبراني.

“G42” الإماراتية: طموحات تكنولوجية وارتباطات إسرائيلية حساسة

تُعد شركة “جي 42” (G42) الإماراتية، التي يرأس مجلس إدارتها طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، واحدة من أبرز الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في المنطقة. إلا أن مسيرتها شابتها العديد من القضايا الحساسة، أبرزها علاقاتها المتنامية والمتعددة الأوجه مع إسرائيل، الأمر الذي يضع أي شراكة معها، خاصة في مجالات حساسة، تحت مجهر التدقيق الأمني والسياسي.

في هذا الإطار، كانت “G42” أول شركة إماراتية تعلن عن فتح مكتب دولي لها في إسرائيل بعد اتفاقيات أبراهام، مما يعكس عمق العلاقات بين الطرفين. وتعاونت “G42” مع شركة “رافائيل” الإسرائيلية (Rafael Advanced Defense Systems)، وهي من كبرى شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية، لتأسيس مشروع مشترك باسم “Presight.AI“. يركز هذا المشروع على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لقطاعات متعددة، بما في ذلك ما يُعرف بالأمان العام، والتي تُستخدم في تطبيقات أمنية واستخباراتية إسرائيلية.

الاستثمار الضخم من مايكروسوفت زمن الحرب على غزة والاستثمار في المستوطنات

في أبريل 2024، أعلنت شركة “مايكروسوفت” عن استثمار استراتيجي بقيمة 1.5 مليار دولار في “G42”. جاء هذا الاستثمار الكبير مصحوبًا بانضمام رئيس “مايكروسوفت” إلى مجلس إدارة “G42″، وتضمن الاتفاق التزام “G42” بالعمل وفقًا لـ “معايير أمنية أمريكية”.

هذا التطور، وإن كان يهدف ظاهريًا إلى تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي، يضيف طبقة أخرى من التعقيد، خاصة في ظل التقارير التي أشارت بأن جيش الاحتلال اعتمد على خدمات الحوسبة السحابية “Azure” من مايكروسوفت وتقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، بما في ذلك نظام “لافندر” (Lavender) المثير للجدل لتحديد الأهداف، خلال عملياته العسكرية في غزة. وأشارت التقارير إلى زيادة كبيرة في استخدام جيش الاحتلال لخدمات “مايكروسوفت” السحابية خلال هذه الفترة.

بالبحث، تبين أيضًا أن طحنون بن زايد، الذي يشرف على “G42″، مرتبط أيضًا بشركة “العالمية القابضة” (IHC)، التي يتبعها صندوق “لونيت” (Lunate) الاستثماري. وقد كشفت تقارير صحفية، مثل تلك التي نشرها موقع “ميدل إيست آي”، عن تورط صندوق “لونيت” في دعم شركات مدرجة على القائمة السوداء للأمم المتحدة بسبب صلاتها بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هل للإمارات دور في الحرب على إيران؟

في سياق الحرب المعلوماتية الخفية بين إيران وإسرائيل، اتهمت إيران تطبيق “واتساب”، المملوك لشركة “ميتا”، بتسريب بيانات حساسة لمسؤولين إيرانيين، مما ساهم في عمليات استهدفت شخصيات إيرانية بارزة. ورغم أن هذا الاتهام موجه مباشرة لـ”واتساب”، إلا أنه يسلط الضوء على المخاطر الكامنة في استخدام منصات تكنولوجية عالمية في الصراعات الإقليمية، خاصة عند الأخذ في الاعتبار الدعوى القضائية التي رفعتها “واتساب” نفسها ضد شركة “NSO Group” الإسرائيلية بسبب استخدام برنامج “بيجاسوس” لاختراق مستخدمي التطبيق. وأصدرت هيئة محلفين أمريكية حكمًا يدين “NSO Group” في هذه القضية، مما أثبت التهمة على الشركة.

لتتبع شبكة الشركة، عملت تقصي على دراسة الشركات المتعلقة بـ “NSO Group” والتي تبين أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع شركة “دارك ماتر”، وهي شركة أمن سيبراني إماراتية مثيرة للجدل، اتُهمت بتنفيذ عمليات تجسس إلكتروني وتوظيف عملاء سابقين في وكالات استخبارات غربية. كما سعت “دارك ماتر” للحصول على برنامج التجسس الإسرائيلي الشهير “بيجاسوس” (Pegasus) الذي تطوره شركة “NSO Group”، وهو ما يفتح الباب أما تساؤلات عن مدى ضلوع الإمارات وأذرعها في شن هجمات على إيران.

ومن خلال الربط بين دارك ماتر وعلاقتها بـ “G42” المرتبطة بقوة بشركة “بنيا” المصرية يتبين التهديد الكبير المحتمل للبنية التحتية الرقمية لمصر.

من الجدير بالذكر، أن اسم طحنون بن زايد، رئيس مجلس إدارة “G42″، قد ورد في “وثائق باندورا” التي كشف عنها الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ)، فيما يتعلق بحسابات خارجية وتحويلات مالية ضخمة أثارت شبهات غسيل أموال.

كما كشفت تحقيقات صحفية، أبرزها لصحيفة “نيويورك تايمز”، أن “G42” كانت الممول والمساهم الرئيسي وراء تطبيق الدردشة “توتوك” (ToTok)، الذي تبين أنه كان أداة تجسس تستخدمها أجهزة الأمن الإماراتية لمراقبة المستخدمين وجمع بياناتهم.

الشراكة بين “بنيا” و”G42″: بوابة لمخاطر سيبرانية محتملة؟

” عن شراكة لتقديم خدمات البنية التحتية التكنولوجية الحيوية في مصر. وبينما يُقدم هذا التعاون على أنه خطوة نحو تعزيز التحول الرقمي، فإن ارتباطات “G42” المذكورة آنفًا تثير مخاوف جدية بشأن تداعيات هذه الشراكة على الأمن القومي المصري.

فمع تولي “بنيا” إدارة قطاعات واسعة من البنية الرقمية المصرية، ودخول “G42” كشريك، يبرز خطر انتقال بيانات حساسة لمؤسسات حكومية ووزارية واقتصادية ووصولًا إلى بيانات المواطنين إلى أطراف خارجية، بما في ذلك جهات إسرائيلية عبر “G42″، في الوقت الذي تبين فيه قدرة إسرائيل على اختراق العديد من الدول والقوى في المنطقة مثل إيران وحزب الله.

وبالنظر إلى سجل “G42″ و”دارك ماتر” في تطوير واستخدام أدوات مراقبة، يزداد القلق من إمكانية استخدام هذه الشراكة كغطاء لعمليات تجسس أو اختراق للشبكات المصرية، خاصة أن الاعتماد المتزايد على شركات أجنبية، خاصة تلك التي تحوم حولها شبهات أمنية، في بناء وتشغيل البنية التحتية الرقمية الحيوية، قد يؤدي إلى تبعية تكنولوجية تقلل من قدرة الدولة على التحكم في منظوماتها المعلوماتية بشكل كامل، خاصة في أوقات الحروب والأزمات.

بالإضافة إلى ذلك، إذا تمكنت “G42” أو الجهات المرتبطة بها من زرع “أبواب خلفية” (Backdoors) في البنية التحتية المصرية، يمكن استخدام هذه البنية كمنصة لشن هجمات سيبرانية ضد دول أخرى، مما قد يورط مصر في صراعات ليست طرفًا فيها. كما أن دعم “بنيا فينتشرز” لشركات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، إذا تم توجيهه أو اختراقه عبر “G42″، يمكن أن يؤدي إلى تطوير أدوات تجسس ومراقبة أكثر تطورًا وتغلغلًا في المجتمع المصري.

إن الشراكة بين “بنيا” المصرية و”G42″ الإماراتية، رغم ما قد تحمله من وعود بتسريع وتيرة التحول الرقمي في مصر، تأتي محملة بمخاطر أمنية وسيادية لا يمكن إغفالها. الارتباطات المتعددة لـ”G42″ بكيانات إسرائيلية، وسجلها في قضايا تتعلق بالتجسس والمراقبة، يضع هذه الشراكة في دائرة الضوء ويستدعي أقصى درجات الحذر والتدقيق من قبل أجهزة الدولة المصرية المعنية.

المصادر:

Pandora Papers reveal Emirati royal families’ role in secret money flows
Spying on mexican journalists: investigating the lucrative market of cyber-surveillance
Messaging apps as covert weapons: Was WhatsApp used in Israeli strikes on Iran?
https://www.trtworld.com/
G42 company
Gulf states linked to Israeli businesses on UN settlements blacklist
The unique data center represents the robust collaboration between Benya Group and Khazna Data Centers
G42 and Benya Technologies Partner in Egypt to Deliver Critical Technology Infrastructure
Benya
المهندس أحمد مكى رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى لمجموعة بنية فى حواره لـ”اليوم السابع”.. بدء التشغيل التجريبى لمصنع بنية لإنتاج كابلات الألياف الضوئية قريبا.. ويؤكد: ننفذ مشروعات ضخمة بالعاصمة الإدارية
https://benya.tech/
مجموعة «بنية» تطلق شركة «Benya ventures» برأس مال 50 مليون دولار لدعم الشركات الناشئة
Microsoft, BAE merkezli yapay zeka firması G42’ye 1,5 milyar dolar yatırım yapacak
Microsoft
The Partnerships Underpinning How UAE-Israel Can Reshape Region
Abu Dhabi’s Group 42 becomes first UAE company to announce international office in Israel
Israel’s Viola partners with Abu Dhabi’s G42 on tech talent platform

3 thoughts on “شراكة “بنيا” و”G42″ الإماراتية.. هل تخترق “إسرائيل” الأمن المعلوماتي المصري؟

اترك رداً على dewihoki إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *